خلال ثلاثينيات القرن الماضي، عاش الاتحاد السوفيتي على وقع أحداث التطهير الكبير الذي قاده جوزيف ستالين ضد من شكك في تآمرهم ضده، متسببا بمقتل ما لا يقل عن 700 ألف شخص ما بين عامي 1936 و1938 فقط.
وقد طالت الملاحقات الأمنية التي قادتها فرق مفوضية الشعب للشؤون الداخلية حينها كوادرا بالدولة ،وقدامى البلشفيين، وعددا من كبار المارشالات والجنرالات بالجيش الأحمر.
كما لم تستثن فترة التطهير الكبير العلماء والمخترعين السوفيت، فإضافة لعالم الوراثة والنباتات نيقولاي فافيلوف (Nikolai Vavilov) والمهندسين إيفان كليمونوف (Ivan Kleymyonov) وجيورجي لانجماك (Georgy Langemak)، اعتقلت أفراد الشرطة السرية السوفيتية مهندس الطائرات السوفيتي الشهير أندري توبوليف (Andreï Tupolev) الذي صمم أثناء فترة حياته العديد من قاذفات القنابل السوفيتية الشهيرة.
مصمم طائرات ناجح
والتحق أندري توبوليف، المولود يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1888 بإقليم تفير (Tver)، بالمدرسة التقنية الإمبراطورية بموسكو خلال العام 1909 حيث درس وتتلمذ على يد العالم والمهندس الروسي الشهير نيقولاي جوكوفسكي (Nikolay Y. Zhukovsky) الذي صنّفه كثيرون كأب برنامج الطائرات الروسية.
وفي عام 1910، أجرى توبوليف، برفقة زملائه، أولى التجارب على طائرة قاموا بتصميمها حسب إمكانيات وتقنيات تلك الفترة.
في الأثناء، اعتقلت الشرطة القيصرية هذا المهندس الشاب واتهمته عام 1911 بالمشاركة بتحركات ثورية ضد النظام قبل أن توافق على إخلاء سبيله مقابل التزامه بالعودة لمنزل والديه.
أما عام 1914، فعاد توبوليف مجددا للدراسة بالجامعة التقنية بموسكو، وكان شاهدا على بداية الحرب العالمية الأولى والثورتين اللتين أطاحتا عام 1917 بالنظام القيصري وأسفرتا عن تولي البلاشفة لزمام الأمور بالبلاد.
وقد أنهى أندري توبوليف دراسته عام 1918 ليشغل على إثر ذلك مناصب هامة بهذه الجامعة ويشرف على تدريس مصمم الطائرات الشهير بافل سوخوي (Pavel O. Sukhoy).
وبداية من العام 1929، باشر توبوليف بالعمل على تصميم طائرات وقاذفات قنابل لصالح الجيش السوفيتي، فاقتبست تصاميمه حينها من تصاميم المهندس الألماني هوغو ينكرز (Hugo Junkers). إلى أن تمكن عام 1925 من إبهار المسؤولين السوفيت عقب نجاحه في وضع تصميم أوّلي لقاذفة قنابل فريدة من نوعها مزودة بمحركين حملت إسم توبوليف تي بي 1 (Tupolev TB-1) حلّقت لأول مرة بنجاح خلال نفس العام، ودخلت الخدمة بالجيش السوفيتي سنة 1929.
وسنة 1937، صمم أندري توبوليف طائرة توبوليف تي بي 3 (Tupolev TB-3) المزودة بأربعة محركات والتي نجحت في الهبوط بالقطب الشمالي.
اعتقال ونجاة من الإعدام
إلا أن هذه الإنجازات والنجاحات في مجال الطيران لم تكن كافية لحماية أندري توبوليف من غضب جوزيف ستالين.
فخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1937، اعتقل هذا المصمم والمهندس السوفيتي من قبل عناصر مفوضية الشعب للشؤون الداخلية واتهم بالقيام بأعمال تخريبية وأنشطة ضد الدولة ومحاولة تأسيس حزب فاشي بالاتحاد السوفيتي.
ومقارنة بزملائه الذين اعتقلوا معه وأعدموا، كان أندري توبوليف محظوظا، فبعد تعذيبه بمقرات مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، نقل الأخير لمختبرات الدولة، المخصصة للعلماء المعتقلين، التي أشرفت عليها الأجهزة الأمنية.
وفي عام 1940، نال أندري توبوليف حكما مخففا بالسجن 10 سنوات. ليتمكن هذا المهندس من تصميم قاذفة القنابل الشهيرة توبوليف تو 2 (Tupolev Tu-2) التي أصبحت إحدى أهم طائرات الأسطول الجوي الحربي السوفيتي وساهمت بشكل فاعل في دحر الألمان وطردهم من البلاد في خضم الحرب العالمية الثانية.
وعليه، أمر جوزيف ستالين خلال شهر تموز/يوليو 1941، بإطلاق سراح أندري توبوليف الذي شارك في تنظيم عمليات الدفاع عن البلاد عقب الغزو الألماني.
زسنة 1943، كلّف توبوليف بمهمة تصميم طائرة شبيهة بقاذفة القنابل الأميركية بوينغ بي 29 سوبر فورترس (B-29 Superfortress). وعقب العديد من المحاولات تمكن هذا المهندس السوفيتي من تصميم طائرة توبوليف تو 4 التي ضلت أهم قاذفة قنابل سوفيتية طيلة الخمسينيات.
يذكر أنه وفي خضم الحرب الباردة، لعب أندري توبوليف دورا هاما في تزويد سلاح الجو السوفيتي بقاذفات قنابل شبيهة بنظيرتها الأميركية، حيث ساهم الأخير في تصميم نماذج لطائرات عدة مثل توبوليف تو 16 وتوبوليف تو 95 قبل أن يفارق الحياة عام 1972 عن عمر ناهز 84 عاما.