مع نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، غاص العالم في أهوال الحرب الباردة التي استمرت لحين انهيار الاتحاد السوفيتي خلال تسعينيات القرن الماضي. ومن خلال مؤتمرات كمؤتمر يالطا ما بين يومي 4 و11 من شهر فبراير 1945، كانت بوادر الخلاف حول مستقبل أوروبا ما بعد الحرب واضحة بين السوفيت من جهة والأميركيين والبريطانيين من جهة ثانية.
ومن خلال خطاب ألقاه في شهر مارس 1946، تحدّث رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل عن "ستار حديدي أسدِل" على الجبهة الروسية لوصف حالة العزلة والرقابة الصارمة التي فُرضت بدول شرقي أوروبا الحليفة للاتحاد السوفيتي تزامناً مع تزايد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية.
وعقب انتصارهم على النازيين، أشرف السوفيت خلال الأشهر التي تلت نهاية النزاع العالمي على إرساء أنظمة حليفة لهم بالمناطق التي انتزعوها من الألمان. وخوفاً على حلفائها الغربيين بأوروبا من توسع شيوعي محتمل، ردت الولايات المتحدة الأميركية بحلول العام 1947 عن طريق إقرار خطة مارشال (plan Marshall) التي وافق من خلالها الأميركيون على تقديم دعم مادي هام لحلفائهم الأوروبيين بهدف مساعدتهم بجهود إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية التي دُمّرت في خضم الحرب العالمية الثانية.
وخلال العام التالي، اتخذ الأميركيون موقفاً أكثر صرامة مع الاتحاد السوفيتي. فبدعم وتحريض من السوفيت، شهدت تشيكوسلوفاكيا انقلاباً أطاح بالحكومة ذات المواقف المساندة للمعسكر الغربي وقذف البلاد بأحضان المعسكر الشرقي. وللرد على هذا التصعيد الخطير، وافق الأميركيون على الالتحاق بمحادثات سعى من خلالها الحلفاء الأوروبيون الغربيون لإيجاد اتفاقية أمنية لمواجهة الخطر السوفيتي. من ناحية أخرى، شهد شهر مارس 1947، ظهور اتفاقية دنكيرك (Dunkirk) الأمنية بين الفرنسيين والبريطانيين لمواجهة خطر هجوم ألماني أو سوفيتي مستقبلي. وخلال الأشهر التالية، تم توسيع هذه الاتفاقية التي أسفرت عن ظهور الحلف الغربي الذي ضم، إضافةً لفرنسا وبريطانيا، كل من بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ.
مع حلول شهر يونيو من نفس العام، اتخذ الصراع الأميركي السوفيتي منحى جديداً تزامناً مع قيام الاتحاد السوفيتي بقطع طرق الإمدادات عن برلين مهدداً بذلك حياة نحو مليوني ألماني عقب توحيد الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين لمناطق نفوذهم بألمانيا وقبولهم بسك عملة موحدة للقسم الغربي من ألمانيا عُرفت بالمارك الألماني.
وعقب هذه الأحداث، اجتمع وزراء خارجية 12 دولة من أوروبا الغربية وشمال القارة الأميركية بالعاصمة واشنطن ووقعوا بحلول يوم 4 أبريل 1949 على معاهدة شمال الأطلسي North Atlantic Treaty Organization التي مثلت اتفاقية أمنية ضمت ببندها الخامس شرطاً تمثّل في تصنيف أي هجوم على إحدى الدول الموقِّعة اعتداءً على جميع الدول المشاركة بهذا الحلف. وحملت هذه المعاهدة توقيع 12 دولة، صُنفت كالدول المؤسسة، تمثلت في كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والبرتغال وكندا وبلجيكا والدنمارك وايسلندا وإيطاليا والنرويج ولكسمبورغ وهولندا. وخلال السنوات التالية، التحقت العديد من الدول الأخرى بهذا الحلف الذي أصبح يضم اليوم 30 دولة.
ومع توقيع وزير الخارجية الأميركي دين آتشيسون (Dean Acheson) على معاهدة شمال الأطلسي "الناتو" NATO، شهدت السياسة الأمنية الأميركية تغييراً جذرياً غير مسبوق. فلأول مرة منذ القرن الثامن عشر، ربطت الولايات المتحدة الأميركية أمنها القومي بأمن الدول الأوروبية الحليفة.