بالقرن الماضي، لم يتردد القائد السوفيتي جوزيف ستالين في اعتماد سياسة التهجير القسري لمعاقبة الأقليات والتصدي للثورات المحتملة التي قد تقودها ضده بعض العرقيات الرافضة لسياسته.
وإضافة لعمليات الترحيل التي طالت تتار القرم والإنغوش والشيشانيين والعديد من سكان دول البلطيق، يذكر التاريخ عمليات التهجير القسري التي تعرض إليها السكان ذوو الأصول الفنلندية المقيمون بمنطقة إنغيريا (Ingria) المحاذية للحدود الفنلندية والمطلة على خليج فنلندا.
سكان إنغيريا منذ 400 عام
إلى ذلك، تواجد هؤلاء السكان ذوو الأصول الفنلندية بإنغيريا منذ نحو 400 عام حيث يعود تاريخ توافدهم على هذه المنطقة لفترة زمنية تميزت بهيمنة السويد على إنغيريا.
وقد جاء هؤلاء السكان من أراضي فنلندا والبرزخ الكاريلي ليستقروا هنالك وليلقبوا فيما بعد بفنلنديي إنغيريا.
تزامنا مع فترة اندلاع الثورة البلشفية، قدّر عدد فنلنديي إنغيريا بحوالي 132 ألف نسمة. وعقب توقيع اتفاقية السلام الفنلندية السوفيتية عام 1920، حصل فنلنديو إنغيريا على جانب من الاستقلالية داخل الاتحاد السوفيتي حيث أسست مقاطعة خاصة بهم وسمح لهم باعتماد اللغة الفنلندية بالمدارس.
تهجير وإعدام
وفي الأثناء، اندلعت الأعمال القمعية السوفيتية ضد فنلنديي إنغيريا خلال فترة جوزيف ستالين تزامنا مع بداية سياسة التنظيم الجماعي الزراعي القسري بالاتحاد السوفيتي عام 1928.
فما بين عامي 1928 و1931، هجّر السوفيت نحو 18 ألفا من فنلنديي إنغيريا. ومع بداية ما يعرف بالتطهير الكبير الستاليني عقب اغتيال سيرغي كيروف، أقدمت السلطات السوفيتية على طرد مزيد من فنلنديي إنغيريا المقيمين بالمناطق المحاذية للحدود الفنلندية وعوضتهم فيما بعد بسكان روس.
ما بين عامي 1937 و1938، أقدمت قوات مفوضية الشعب للشؤون الداخلية السوفيتية، المعروفة أكثر بـ"إن كا في دي" (NKVD)، على إعدام 4 آلاف من فنلنديي إنغيريا بعد أن اتهموا بالقيام بأعمال تخريبية والتآمر على البلاد والخيانة.
وأثناء نفس الفترة، أرسل ما يزيد عن 10 آلاف من هذه العرقية نحو مراكز العمل القسري بالمناطق النائية من البلاد. أيضا، أقدمت مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، بأوامر من ستالين، على غلق الكنائس اللوثرية ومدارس اللغة الفنلندية بمنطقة إنغيريا التي فقدت تدريجيا خصائصها الإدارية، واستقلاليتها، التي تمتعت بها منذ عام 1920.
عقب الغزو الألماني للأراضي السوفيتية يوم 22 حزيران/يونيو 1941، واصل الاتحاد السوفيتي سياسة الترحيل ضد فنلنديي إنغيريا فأقدم على ترحيل 20 ألفا منهم، من القابعين داخل المناطق الخاضعة لسيطرته من إنغيريا، نحو سيبيريا. وما بين عامي 1943 و1944، هاجرت أغلبية فنلنديي إنغيريا المقيمة بالجزء الإنغيري المحتل من قبل الألمان نحو فنلندا خوفا من الأعمال الانتقامية التي قد يقودها ضدهم السوفيت عند عودتهم للمنطقة.
عقب توقيع اتفاقية السلام بين فنلندا والاتحاد السوفيتي عام 1944، طالبت موسكو سلطات هلسنكي بإعادة جميع فنلنديي إنغيريا لمنطقتهم.
ومن ضمن نحو 50 ألفا ممن عادوا، استقرت فئة قليلة بإنغيريا حيث شتت الأغلبية، على يد السلطات السوفيتية، بسيبيريا ووسط روسيا وطاجكستان.
وعقب رحيل ستالين، سمحت السلطات السوفيتية لفنلنديي إنغيريا بالعودة لمناطقهم. وفي الأثناء، فضلت نسبة هامة من هذه العرقية الاستقرار بدول البلطيق.