لعقود من الزمان، افترض علماء الفلك والفيزياء وعلماء الكون أن الكون مليء بمادة غريبة تسمى المادة المظلمة، بهدف تفسير التسارع الغريب للمجرات والعناقيد المجرية، فالنماذج الرياضية تفترض أن المادة المظلمة تشكّل ثلاثة أرباع المادة في الكون، لكن المفارقة أن ما من تجربة عملية استطاعت أن تجدها فعليًا، ومع هذا فقد أصبحت النظرية السائدة لشرح أحد أكبر ألغاز الكون.
ولأن أحدًا لم يستطع أن يجد تلك المادة المظلمة المفترضة، بحث عدد العلماء عن نظريات بديلة، ووفقًا لتقرير نشره موقع إن بي سي نيوز، أصدر فريق من العلماء نتائج دراسة جديدة تشير إلى المادة المظلمة ليست موجودة فعلًا، وأن فهمنا العلمي المحدود للجاذبية قد يكون هو السبب في عدم قدرتنا على تفسير حركة المجرات.
يستند الفريق إلى نظرية أطلقت في أوائل الثمانينيات تسمى ديناميكا نيوتن المعدلة التي تحل محل الديناميكيات النيوتونية والنسبية العامة كما افترضها ألبرت أينشتاين، وتقترح تلك النظرية بأن قوة الجاذبية المطبقة على النجم يجب أن تُحسب بطرائق مختلفة تمامًا.
ونشر البحث الجديدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في مجلة الفيزياء الفلكية، وبين العلماء فيه وجود اختلافات طفيفة في السرعات المدارية للنجوم البعيدة وفسروا ذلك بأنه ناتج عن تأثير جاذبية خافت، ما يمكن أن يضع حدًا للأفكار السائدة عن المادة المظلمة.
وسجل البحث الجديد علامات المد الجاذبي الخافت، المعروفة باسم: تأثير المجال الخارجي، إحصائيًا في السرعات المدارية للنجوم في أكثر من 150 مجرة.
وأوضح ستايسي ماكجو، المؤلف المشاركة في الدراسة، والذي يرأس قسم علم الفلك في جامعة كيس ويسترن ريزيرف في كليفلاند في الولايات المتحدة الأمريكية أن إدخال عامل المد الجاذبي الخافت الجديد في الرياضيات البحتة وليس المادة المظلمة يفسر سبب تصرف المجرات على النحو الذي نسجله. وقال «يظهر لدينا تناقض واضح بين ما نراه وما نحسبه إن استندنا فقط إلى نيوتن وآينشتاين.»
افترض علماء الفلك سابقًا أن النجوم تدور حول مراكز المجرات بسرعات تستخرج من معادلات نظرية الجاذبية التي صاغها الفيزيائي وعالم الرياضيات إسحاق نيوتن منذ أكثر من 300 عام.
ويرى نيوتن أن الأجسام تجذب بعضها البعض بقوى تتناسب مع كتلتها، وحسن نظريته الفيزيائي ألبرت أينشتاين في القرن العشرين، لكن عالم الفلك فريتز زويكي وجد بعد أن راقب حركة المجرات في الثلاثينيات من القرن الماضي، أنها تخضع لقوى جاذبية أكبر من المتوقع، وهو تأثير نسبه إلى مادة غير معروفة سماها المادة المظلمة. وعندما اكتشف عالما الفلك فيرا روبن وكينت فورد اختلاف مدارات النجوم في المجرات عن القيم المحسوبة نظريًا في سبعينيات القرن الماضي، افترض العلماء أنها ناتجة عن كتل من المادة المظلمة غير المرئية في المجرات، وسيطرت هذه الفكرة على الفيزياء الفلكية منذ ذلك الحين.
لكن عالم الفيزياء مورديهاي ميلغروم صاغ في ثمانينيات القرن الماضي نظرية ديناميكا نيوتن المعدلة لشرح التناقضات الملحوظة في حركة النجوم دون إدخال المادة المظلمة في المعادلة. واقترح أن الجاذبية تسبب تسارعًا صغيرًا جدًا، لم يتنبأ به نيوتن وآينشتاين، وبمستويات منخفضة لا تصبح محسوسة إلا في الأجسام الضخمة بحجم المجرة؛ ما يعني عدم الحاجة إلى تفسير المادة المظلمة.
ويعترف ماكجو بأن هذه النظرية ما زالت رأي أقلية من العلماء في الفيزياء الفلكية، وأن معظم العلماء يفضلون وجود المادة المظلمة – وهي فكرة كان يقبلها حتى بدأ في تغيير رأيه منذ نحو 25 عامًا.
لكنه قال إن العديد من توقعات نظرية نيوتن المعدلة شوهدت في الملاحظات الفلكية، وأحدث الأبحاث هي دليل آخر على ذلك.
وقال ماتياس بارتلمان، أستاذ الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة هايدلبرغ في ألمانيا، والذي لم يشارك في الدراسة، إن البحث الجديد يطرح «مسألة مثيرة للاهتمام للغاية.»
The post هل أخطأ العلماء في افتراض وجود المادة المظلمة؟ appeared first on مرصد المستقبل.