رغم انطلاق حملة لتطعيم سكان العالم ضد فيروس كورونا، لا يزال هناك العديد من الأشياء التي نجهلها عن اللقاح حتى الآن، لا سيما مدة فعالية المناعة التي توفرها اللقاحات أو ما إذا كانت السلالات الجديدة للفيروس التي تظهر في جميع أنحاء العالم ستقاوم اللقاح وتبطل مفعوله أم لا. مع العلم أن أكثر من 60 مليون شخص تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.
وبعد مرور عام على تفشي الوباء، نشرت دراسات أولية حول المناعة لكنها ظلت محدودة. ووفقاً لمعهد "لا جولا" المختص بعلم المناعة في كاليفورنيا، ظلت العديد من الاستجابات المناعية بعد التغلب على عدوى فيروس كورونا فاعلة على مدار ستة أشهر تقريباً على الأقل.
وهذه النتائج تشبه تلك التي توصلت إليها هيئة الصحة في المملكة المتحدة، التي قالت إن معظم المرضى الذين أصيبوا بـ كوفيد- 19 يتمتعون بالحماية المناعية لمدة خمسة أشهر على الأقل.
كما توصلت دراسة إلى أن المناعة ضد عدوى فيروس كورونا تستمر 8 أشهر على الأقل بعد الشفاء من المرض. ونقل موقع "سي إن إن" عن باحثين قولهم، إن مناعة الناس ضد فيروس كورونا تستمر ثمانية أشهر على الأقل، بعد تعافيهم من العدوى.
حماية مناعية واسعة
وأظهرت دراسة أجريت على 188 شخصاً تعافوا من عدوى "كوفيد 19" أن لديهم حماية مناعية واسعة بعد أشهر، ليس فقط من خلال الأجسام المضادة، ولكن أيضاً من خلال أنواع عدة من الخلايا المناعية التي يجمعها الجسم بعد الإصابة.
بالطبع، قد لا ينطبق هذا الأمر على جميع المرضى. ربما يطور كل مريض على مناعة أكثر أو أقل، وستتوقف فرصة الإصابة بالفيروس ثانية على ذلك. وينطبق هذا الأمر على اللقاحات أيضاً.
أما المناعة التي تظهر بعد التطعيم فتعتمد على نوع اللقاح والاستجابة المناعية لكل مريض. ولكن يبدو أن الدكتور أندرو بادلي، أستاذ طب الخلية في "مايو كلينيك" في الولايات المتحدة، أكثر تفاؤلاً ويقول: "أنا واثق من أن آثار التطعيم والمناعة قد تدوم لسنوات عديدة". ويضيف: "سيكون من المهم أيضاً إجراء تحليل تفصيلي لحالات الأشخاص المصابين بالسلالات الجديدة ومراقبة كيفية استجابة المرضى بعد تلقيهم اللقاح".
مناعة ما بعد "التطعيم"
ولكن السؤال الاهم: هل يمكن التقاط العدوى بعد التطعيم؟ الجواب نعم، هذا ممكن لأسباب عديدة: أولاً، لأن الحماية التي توفرها معظم اللقاحات لا تصبح سارية المفعول إلا بعد أسبوعين أو ثلاثة من تلقي الجرعة الأولى أو الوحيدة، حسب نوع اللقاح.
ويوضح الدكتور تانغ: "تظل معرضاً لخطر الإصابة بالعدوى ونقله إلى آخرين في حال تعرضك للفيروس بعد يوم واحد من تلقي اللقاح أو حتى بعد أسبوع". وحتى لو تعرض الشخص للفيروس بعد عدة أسابيع من تلقيه الجرعات اللازمة، يظل هناك احتمال الإصابة بالمرض.
ثمة إجماع واسع على الرأي القائل بأن اللقاحات تحمي عدداً كبيراً من الأشخاص بشكل فعال جداً، لكن لا يزال مدى القدرة على منع الإصابة بالعدوى أو انتقالها غير معروف.
ويقول خوسيه مانويل باوتيستا، الأستاذ في قسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، في إسبانيا: "هذا فيروس غير متجانس ويتسبب بأعراض مختلفة جداً من شخص إلى آخر". "وسيحدث نفس الشيء مع اللقاحات. سيكون لدى البعض رد فعل مناعي قوي جداً ويمنع الفيروس من التطور والتكاثر في أجسامهم، بينما في حالات أخرى، عندما لا تكون الاستجابة المناعية كاملة ستسمح ببعض التكاثر وانتقال العدوى".
التطعيم والسلالات الجديدة
أما إذا كانت اللقاحات توفر حماية من الطفرات والسلالات الجديدة، فهذا أمر يدعو للقلق، الفيروسات في تغير مستمر، وفي بعض الأحيان يكون لدرجة يصعب على اللقاحات مقاومتها، لذلك نحن بحاجة إلى تعديلها. وانتشرت فعلياً السلالات الجديدة من فيروس كورونا التي نمت في جنوب إفريقيا أو المملكة المتحدة ووصلت إلى بلدان أخرى وباتت هي الغالبة بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بها.
وأعلنت شركة موديرنا أن لقاحها فعال أيضاً ضد السلالة الجديدة من فيروس كورونا التي ظهرت في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا، على الرغم من أنه ستنتج شكلاً جديداً من اللقاح الإضافي الذي يمكن استخدامه لمواجهة السلالة التي انطلقت من جنوب إفريقيا بهدف تعزيز الحماية.
وتقول شركة فايزر/ بيونتيك أيضاً إن لقاحها فعال ضد السلالات الجديدة. وبالمثل، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه على الرغم من أن اللقاحات المعتمدة فعالة للغاية، إلا أنها لا توفر الحماية بنسبة 100% ضد أي نوع من أنواع الفيروس، ولا حتى ضد فيروس كورونا الأول حسبما يقول الدكتور بادلي.
اللقاحات وجرعاتها
أما عن عدد الجرعات والفترة التي تفصل بينها، فيتم إعطاء لقاحات فايزر وموديرنا وأسترازينيكا على سبيل المثال، على جرعتين.
في البداية، وبناءً على كيفية اختبار تلك الجرعات في التجارب، قيل للناس إنهم سيحصلون على الجرعة الثانية بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع من الأولى.
ولكن في أواخر عام 2020 ، أعلنت المملكة المتحدة أنها ستضع على قائمة أولوياتها تلقيح أكبر عدد ممكن من الأشخاص بالجرعة الأولى ومن ثم إعطاؤهم الجرعة الثانية بعد مدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر.
وأثار ذلك نقاشاً حول أفضل برامج التلقيح على مستوى العالم. تتمسك شركة فايزر وغالبية الجهات العلمية في العالم بما تم إثباته في التجارب السريرية: وهو إعطاء الجرعة الأولى، ثم الثانية في غضون 21 يوماً.
وأوصت منظمة الصحة العالمية بذلك وأوصت بإعطاء الجرعة الثانية بعد 21 أو 28 يوماً من الأولى، لكنها قالت أنه يمكن تمديد هذه الفترة إلى ستة أسابيع كحد أقصى وفي حالات استثنائية.