أحدثت جائحة كوفيد-19 تغييرات سريعة في طريقة تلقي الكثيرين خدمات الرعاية الصحية، فعلى مستوى العالم أصبح الأستراليون مثلًا، يعتمدون الآن على نظام «الرعاية الصحية عن بعد» أكثر مما كانوا يفعلون سابقًا.
ومدد المسؤولون عن الميزانية الفيدرالية الأسترالية الدعم المالي لنظام «الرعاية الصحية عن بعد» التابع لقطاع التأمين الصحي «ميديكير» مدة ستة أشهر إضافية، بقيمة وصلت إلى 2.4 مليار دولار أسترالي، منها 18.6 مليون لإنشاء بنية تحتية دائمة لنظام الرعاية الصحية عن بُعد ستكون جاهزة للعمل في نهاية مارس/آذار من العام المقبل.
ويؤكد هذا أن نظام الرعاية الصحية عن بُعد ليس مجرد استجابة مؤقتة لتفشي الوباء، بل هو حاجة ملحة في نظامنا الصحي.
ولنفهم أهمية الرعاية الصحية عن بُعد، لا بد أن ندرك أنها أكثر من مجرد مكالمة هاتفية مع الطبيب أو محادثة فيديو عبر الإنترنت.
نقطة تحول
ومتابعة في نموذج أستراليا، في مارس/آذار من هذا العام، حصلت خدمات الرعاية الصحية عن بُعد على تمويل بموجب «برنامج مساعدات قطاع التأمين الصحي» لتشمل جميع الأستراليين.
وتضمنت هذه الخدمات، استشارات عبر الهاتف أو الفيديو للأطباء (العامين والمتخصصين) والممرضين ومختلف العاملين في مجال الرعاية الصحية كاختصاصيي العلاج الطبيعي والفيزيائي والاختصاصيين الاجتماعيين وعلماء النفس.
وجاء هذا كتوسعة لنظام الاستشارات الطبية عبر الفيديو والذي كان مخصصًا فقط لسكان الريف والمناطق النائية بتمويلٍ من «برنامج مساعدات قطاع التأمين الصحي.»
وشهدت الفكرة قبولًا واسعًا، فقد بلغت نسبة الاستشارات الطبية عن بعد في أبريل/نيسان 2020 أكثر من 35% من إجمالي الاستشارات الممولة بموجب «برنامج مساعدات قطاع التأمين الصحي.»
أكثر من مجرد مكالمات هاتفية
لنظام الرعاية الصحية عن بعد أشكال رئيسة ثلاثة: «الإشراف الطبي المباشر» و «تخزين بيانات المريض وإعادة توجيهها» و«مراقبة حالة المريض عن بُعد.»
ويعدّ «الإشراف الطبي المباشر» الأكثر تطبيقًا وانتشارًا، وذلك من خلال الاستشارات الطبية الهاتفية ومؤتمرات الفيديو.
وخلال الوباء، فضّل الأطباء الاستشارات الهاتفية على استشارات الفيديو، إذ شكلت استشارات الهاتف أكثر من 91% من مجمل خدمات الرعاية الصحية المقدمة عن بُعد والممولة من برنامج مساعدات قطاع التأمين الصحي.
ومع أن الاستشارات الهاتفية فعالة في بعض الحالات (كتسجيل القصة السريرية للمريض، وفرز حالته المرضية وإحالتها إلى الطبيب المختص)، فإن لاستشارات الفيديو قدرةً أكبر على تمكين الطبيب من إجراء تشخيص أدق.
فقد أظهرت الأدلة أن استشارات الفيديو في كثير من الحالات لا تقل كفاءةً عن المعاينة الشخصية بحضور المريض.
وأما الشكل الثاني لنظام الرعاية الصحية عن بُعد، وهو «تخزين بيانات المريض وإعادة توجيهها» فيتضمن جمع المعلومات المتعلقة بحالة المريض ثم إرسالها عبر الإنترنت.
ومن الأمثلة الشائعة على ذلك، تصوير المريض (أو طبيبه العام) لآفة جلدية، ثم إرسال الصورة إلى اختصاصي الأمراض الجلدية لأخذ رأيه في الحالة وطريقة علاجها.
وتدار خدمات «تخزين بيانات المريض وإعادة توجيهها» من مقرات عمل صغيرة في أستراليا، تمولها غالبًا مستشفيات أو شركات تجارية خاصة، كونها غير مشمولة حاليًا ببرنامج مساعدات قطاع التأمين الصحي.
وتستهدف تلك الخدمات التي باتت تقدَّم في العديد دول العالم، مجموعة متنوعة من الحالات المرضية، إضافةً إلى دورها المهم في تسهيل عمل منظومة الرعاية الصحية وتقليل تكاليفها، ما أكسبها رضى الأطباء وثقتهم.
وأخيرًا، الشكل الثالث لنظام الرعاية الصحية عن بُعد، وهو «مراقبة حالة المريض عن بُعد» ويسمى أيضًا «مراقبة حالة المريض في منزله» ويتضمن جمع المعلومات الصحية الخاصة بالحالة المرضية ومراقبة تغيراتها مع مرور الوقت.
ويمكن من خلاله مراقبة عدد من الحالات المرضية (التي لا تُظهر عادةً أعراضًا واضحة) كارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري، وذلك باستخدام أجهزة قياس خاصة لها تطبيقات متصلة بشبكة الإنترنت، تقيس مستوى ضغط وجلوكوز الدم.
فعند تسجيل قراءات غير طبيعية، ترسل التطبيقات إنذارًا إلى كل من المريض وفريق الرعاية الصحية المسؤول عن مراقبة حالته.
ولعل تواصل المريض المنتظم مع فريق الرعاية الصحية وحصوله على الدعم اللازم منهم، إضافةً إلى وعيه الشخصي بحالته، يمكّنانه من الاهتمام بصحته بصورة أفضل.
ويُستخدم نظام «مراقبة حالة المريض عن بُعد» عالميًا في تدبير الأمراض المزمنة، محققًا نتائج جيدة في هذا المجال، فقد أظهرت مراجعة أجريت مؤخرًا لمجموعة من الدراسات ذات الصلة أن المراقبة عن بعد أعطت نتائج إيجابية في 77% من تلك الدراسات، وبات بإمكان عدد أكبر من المرضى البقاء بصحة جيدة خارج المشفى.
وعلى الرغم من وجود عدد من أنظمة المراقبة عن بُعد يطبقها بعض الأطباء على نطاق ضيق في أستراليا، فإن الافتقار إلى البنية التحتية والتمويل حدّ من انتشارها على نطاق واسع.
لكن على الجانب الإيجابي، تعهدت الميزانية الفيدرالية بتمويل إنشاء بنى تحتية متخصصة بمتابعة مرضى القلب من خلال أجهزة مراقبة تزرع في أجسادهم، تتيح متابعة حالتهم عن بعد بصورة مستمرة.
اختيار النوع الصحيح
ويعتمد اختيار النوع الأنسب من بين الأنواع الثلاثة للرعاية الصحية عن بُعد، على حاجات كل المريض وحالته، إضافةً إلى تكلفة الخدمة بالنسبة له ولمقدم الخدمة والنظام الصحي بشكل عام.
وتوفر الأنواع الأقل استخدامًا (من بين الأنواع الثلاثة) فرصةً أكبر لإدخال مزيد من الاختصاصات إلى نظام الرعاية الصحية عن بُعد، فضلًا عن أنها تتيح إعادة توجيه بعض مهام المراقبة إلى الممرضين وغيرهم من العاملين في المجال الصحي، عند الحاجة.
فمثلًا، يمكن للممرض أو الصيدلي الاطلاع على قراءات ضغط دم المرضى وتقديم النصائح الطبية لهم (أو إحالتهم إلى طبيب عام أو متخصص إذا لزم الأمر).
ويجب أن تتناسب أجور خدمات الرعاية الصحية عن بُعد مع مقدار الوقت والجهد والمهارة المطلوبة لتقديم الاستشارة.
ومن الممكن تشجيع الأطباء على استخدام استشارات الفيديو من خلال رفع أجورها لتصبح أعلى من الاستشارات الهاتفية.
التفكير على نطاقٍ أوسع
لا تكافح الأنظمة الصحية حول العالم الوباء فحسب، بل تكافح أيضًا الأمراض المزمنة المنشرة، لذا فإن تطوير أنماط تقديم الرعاية الصحية أمر لا بد منه.
فبعض الحالات المرضية كأمراض القلب والسكري والسكتة الدماغية ترفع معدلات اعتلال الصحة والوفاة.
ولذا فنحن بحاجة إلى استراتيجيات ترفع مستوى الوعي لدى المرضى وتعزز مشاركتهم في العناية بصحتهم، فضلًا عن حاجتنا إلى التمويل والدعم الكامل لخدمات الرعاية الصحية المقدمة عن بُعد لتحقق فوائدها المنشودة، بدلاً من جعلها مجرد خدمات مأجورة تقدم مقابل رسم مالي معين.
وقد تلعب بعض أنواع الرعاية الصحية عن بُعد «كتخزين بيانات المريض وإعادة توجيهها» و «مراقبة حالة المريض عن بُعد» دورًا كبيرًا في تحسين مستوى التدابير العلاجية طويلة الأمد للحالات المزمنة، وضمان سهولة وصول المرضى إلى الخدمات الصحية التخصصية من خلال نظام صحي متكامل متصل بالشبكة.
ودفع تفشي الوباء بعض الأنظمة الصحية إلى إجراء تغييرات تسهّل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية في ظروف الوباء الاستثنائية، ولعل الوقت الآن قد حان للاستفادة من هذه التغييرات وتوظيف كافة أشكال الرعاية الصحية عن بُعد في تحقيق إصلاح شامل للنظام الصحي.
The post هل ستصبح الرعاية الصحية عن بعد جزءًا رئيسا من نظامنا الصحي؟ appeared first on مرصد المستقبل.