هل نعيش العصر الأكثر تشويقًا في مجال الفضاء منذ 50 عامًا؟

ما علاقة الاقتصاد بازدهار قطاع الفضاء؟ ألا يكفي أننا نشهد إطلاق بعثات فضائية كثيرة حتى نظن أننا حققنا ما نصبو إليه؟ ما الذي ينقصنا لنشهد ثورة حقيقية في مجال الفضاء؟

تترابط العوامل الأساسية للاقتصاد بطبيعتها؛ بمعنى أن لا فائدة من إنشاء سوق للمواد الغذائية دون وجود مزارعين يتولون مهمة توفير الغذاء، ولا فائدة من زراعة الطعام دون وجود أسواق تباع فيها المحاصيل.

والإنترنت في عصرنا خير مثال على ذلك أيضًا؛ فما الهدف من توفير خدمة إنترنت عالية السرعة إن لم ينتج محتوى يحتاج الاطلاع عليه إلى مثل هذه السرعات؟ ولماذا قد تكلف نفسك عناء إنشاء موقع مثل يوتيوب، إن لم يمتلك أي شخص حزمة إنترنت تمكنه من مشاهدة مقاطع الفيديو وتحميلها بسهولة؟

والأمر ذاته ينطبق على الفضاء، فلماذا تكلف نفسك عناء ابتكار التقنية اللازمة لإرسال الناس إلى الفضاء دون وجود وجهة محددة يذهبون إليها؟ وفي الوقت ذاته، لماذا ننشئ وجهات سياحية ونحن لم نجد بعد طريقة ميسورة التكلفة للوصول إليها؟

لكن ما تكلفة إرسال شخص واحد إلى مدار الأرض؟ دفعت وكالة ناسا سابقًا 80 مليون دولار أو أكثر لإرسال رائد فضاء أمريكي واحد إلى محطة الفضاء. وهذا مبلغ ضخم جدًا بلا ريب، يتعذر على أي شركة إنفاقه لإرسال شخص واحد إلى الفضاء. علاوة على أن الذهاب إلى الفضاء غير مجد، فلا عمل بوسعك إنجازه ولا سبيل لكسب المال وأنت هناك. لكن ألن يكون أمرًا ممتازًا أن نجد طريقة لإرسال شخص إلى الفضاء مقابل مليون دولار؟ أو 250 ألف دولار؟ أو 100 ألف دولار؟ فهذه مبالغ معقولة تنفقها الشركات طوال الوقت لنقل موظفيها حول العالم وتجهيزهم للبحث والتصنيع والإنتاج.

هذه هي التكلفة التي يطمح إليها إيلون ماسك مدير شركة سبيس إكس وجيف بيزوس مدير شركة بلو أويجن الفضائيتين، بحلول العقد المقبل. لكن السؤال البديهي هو: إلى أين ستأخذ الشركتان مسافريها في الفضاء؟ فمن المعلوم أن المحطة الفضائية تكفي لطاقم من ستة أشخاص، ثلاثة منهم على الجانب الروسي وثلاثة على الجانب الأمريكي.

ربما وجد روبرت بيجيلو حلًا لهذه المشكلة!

روبرت بيجيلو رائد أعمال وصاحب سلسلة فنادق منخفضة التكلفة في لاس فيجاس، الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أنه لم يحصل على شهادة هندسية أو فضائية رسمية، فقد أصبح مهووسًا بفكرة تطبيق تجربته ذاتها في الفضاء، أي مساحات للمعيشة والعمل وتأجيرها.

ففي العام 1999، أسس بيجيلو شركة بيجيلو إيروسبيس، وحصل من وكالة ناسا على رخصة استخدام تقنية مبتكرة لمساكن فضائية مصنوعة من أقمشة فائقة القوة وعالية التقنية قابلة للنقل وهي مطوية ومضغوطة لتتوسع إلى حجمها الكامل فور فتحها في الفضاء. واستوحى بيجيلو فكرته من المشكلة التي يعاني منها رواد الفضاء، وهي ضيق وحدات الفضاء ذات الجوانب الصلبة -كتلك المستخدمة في محطة الفضاء الدولية- إذ يتعذر نقل وحدات ذات مساحة أكبر من الصاروخ الذي نقلها. فلا يزيد قطر الوحدات في المحطة الفضائية عن نحو أربعة أمتار، وتزداد ضيقًا بعد تثبيت رفوف المعدات على الجدران.

ولا ريب في أن مزايا المساكن الفضائية المضغوطة والقابلة للتوسع كبيرة جدًا. إذ يبلغ عرض وحدة الفضاء المدارية الأساسية لشركة بيجلو نحو سبعة أمتار، وتطلق عليها الشركة اسم «بي 330» فضلًا عن أن حجمها يتناسب تمامًا مع حجم الصواريخ، فالحجم المضغوط للمحطة الفضائية بأكملها يبلغ 915 مترًا مكعبًا.

وتطلب بناء المحطة 19 عامًا، انطلقت خلالها 41 رحلة مكوكية فضائية لوضع الأجهزة في المدار وتجميعها. فثلاث وحدات بيجيلو «بي 330،» كل واحدة بحجم 330 مترًا مكعبًا، ستنشئ مساحة عمل كلية تبلغ نحو 990 مترًا مكعبًا. أي أن إنشاء محطة فضاء جديدة أكبر من محطة الفضاء الدولية لا يتطلب سوى ثلاث رحلات فقط.

ولدى بيجيلو مصنعًا في لاس فيجاس بمساحة تبلغ 34 ألف متر مربع، وهو كاف لصنع وحدات بي 330. وهو مستعد لإنتاج محطات لوكالة ناسا ولبعض الدول التي تطمح إلى إنشاء محطة فضاء خاصة بها، أو لشركات الأدوية أو الشركات التقنية التي تتطلع إلى اكتشاف نتائج تصنيع منتجاتها دون تأثير الجاذبية، فضلًا عن شركات السياحة التي تخطط لإنشاء فندق مداري. فوحدات بيجيلو تصلح لإنشاء مختبر أو مرصد أو منتجع.

وبدأت الاختبارات الأولى للتصنيع في الفضاء ضمن وحدة مستقلة في المحطة الفضائية، وأجرتها شركة في كاليفورنيا تُدعى «ميد إن سبيس» لصنع نوع من الألياف الضوئية بنقاوة لا تتحقق على الأرض، بسبب التصنيع في مستوى جاذبية ضعيف. وستستخدم الألياف المصنوعة في الفضاء لمضاعفة سرعة نقل البيانات على الأرض.

والحقيقة أن ما يدعم الاهتمام والابتكار في الفضاء، ويحافظ عليه، هو اقتصاد فضائي حقيقي قائم بذاته. وأشار بيزوس إلى ذلك بقوله «أظن أننا نقف على مشارف العصر الذهبي لاستكشاف الفضاء. وأكثر ما سأفخر به عندما أبلغ عامي الثمانين، هو أن تتمكن شركة بلو أوريجن من خفض تكلفة الوصول إلى الفضاء بمقدار كبير، لنشهد عندها ثورة رائدة في الوصول إلى الفضاء، تمامًا كما شهدنا ثورة الإنترنت على مدار العشرين عامًا الماضية.»

وتوقع بيزوس أن تتحسن عمليات بلو أويجن النهائية لتتمكن في مرحلة معينة من جدولة عمليات إطلاق منتظمة إلى المدار مرتين في الأسبوع يومي الاثنين والخميس، أي نحو 100 عملية إطلاق في السنة لشركة بلو أوريجن وحدها. فخلال السنوات الخمس من 2014 حتى 2019، أطلق العالم بأسره ما متوسطه ​​95 عملية إطلاق في العام، تضمنت الأقمار الصناعية والرحلات المأهولة.

ومن الطبيعي ألا تشهد الشركات حاليًا زيادة في الطلب على إطلاق المزيد من الرحلات إلى الفضاء خاصة مع الأسعار الخيالية الحالية، لكن من يدري كيف سيتغير هذا عندما ينخفض ​​السعر بنسبة 90% أو 99%؟ هذا تمامًا هو السبب في اعتقادنا بأننا نعيش العصر الأكثر تشويقًا في السفر إلى الفضاء منذ 50 عامًا. فهذا القطاع على أعتاب ثورة هائلة ستتطلب إنشاء بنى تحتية فضائية تحتاج إلى آلاف الأشخاص والخبرات والوظائف المليئة بالتحديات.

تخيل أنك حصلت على فرصة للعمل مع هنري فورد لتصميم سيارة فورد «موديل تي» في العقد الأول من القرن الماضي، أو فرصة للانضمام إلى شركة جوجل حين كانت في بداياتها في العام 2000. اليوم أيضًا، نحن نشهد لحظة الانطلاق لثورة فضائية تاريخية.

The post هل نعيش العصر الأكثر تشويقًا في مجال الفضاء منذ 50 عامًا؟ appeared first on مرصد المستقبل.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: