يوم 27 فبراير عام 1933، اهتزت ألمانيا على وقع احتراق أحد أشهر معالمها. ففي ذلك اليوم، تناقلت وسائل الإعلام الألمانية والعالمية خبر احتراق مبنى الرايخستاغ (Reichstag)، البرلمان الألماني، الذي مثّل مركز السلطة التشريعية بألمانيا. وقد جاء هذا الحريق ليشكل تحدياً جديداً للألمان بعد أقل من شهر واحد على استلام القائد النازي أدولف هتلر لمنصب المستشار.
إلى ذلك، شيّد مبنى الرايخستاغ عام 1894 وفتح أبوابه بشكل رسمي يوم 9 يونيو من نفس العام لاستقبال أعضاء البرلمان الألماني، المعروف أيضاً بالرايخستاغ، في خضم فترة حكم الإمبراطور فيلهلم الثاني (Wilhelm II) الذي استلم زمام الأمور بألمانيا سنة 1888 خلفاً لوالده فريدريش الثالث (Frederick III).
صعود النازيين بألمانيا
عقب نهاية الحرب العالمية الأولى ورحيل نظام القيصر فيلهلم الثاني، شهدت ألمانيا خلال فترة العشرينيات صعود الحزب النازي الذي كسب شعبية هائلة بين الألمان مستغلاً الوضع الاقتصادي السيئ للبلاد وارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية.
وبفضل خطاباته القومية الحماسية المناهضة لمعاهدة فرساي واليهود والشيوعيين، كسب أدولف هتلر عطف الألمان واستقطب أصواتهم بالانتخابات التشريعية ليتحول حزبه لأهم كتلة برلمانية بالرايخستاغ بحلول العام 1932.
ومع هيمنة النازيين على الرايخستاغ وتخوّفه من الكتل اليسارية، وافق الرئيس الألماني وبطل الحرب العالمية الأولى بول فون هيندنبورغ (Paul von Hindenburg) أواخر يناير 1933 على التحالف مع النازيين وتعيين أدولف هتلر مستشاراً لألمانيا عقب أزمة سياسية هزت البلاد طيلة الأشهر السابقة وأدت لإقالة العديد من المستشارين.
ومنذ استلامه لمنصبه، وافق مجلس وزراء هتلر بعد حوالي أسبوع واحد على قانون حماية الألمان الذي قيّد حرية الصحافة بألمانيا وسمح للشرطة بحظر التجمعات والتظاهرات السياسية. وقد تصادف ذلك مع قيام وزير داخلية بروسيا (Prussia) هرمان غورينغ (Hermann Goering)، رفقة رجال الشرطة، بمداهمة مقر الحزب الشيوعي ببرلين وحديثه عن وجود مخططات شيوعية لقيادة ثورة مسلحة بالبلاد.
حريق الرايخستاغ وإعدام الفاعل
خلال ليل يوم 27 فبراير 1933، اندلعت ألسنة اللهب بمبنى الرايخستاغ لتلتهم أجزاء واسعة منه حيث احترقت قبّة المبنى وقاعة الاجتماعات الرئيسية قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من السيطرة على الحريق الذي تسبب في خسائر مادية جسيمة تجاوزت المليون دولار.
وعلى مقربة من مكان الحادثة، اعتقلت الشرطة الألمانية شاباً هولندياً يبلغ من العمر 24 عاماً ويدعى مارينيوس فان دير لوبي (Marinus van der Lubbe) عرف بمساندته للشيوعيين وعمله لصالح الحزب الشيوعي الألماني.
وأثناء عملية التحقيق معه، اعترف مارينيوس فان دير لوبي بإضرامه للنيران بمبنى الرايخستاغ معللاً ذلك برغبته في إشعال فتيل ثورة بالبلاد. لاحقاً، مثل هذا الشاب الهولندي أمام القضاء الألماني وأعدم يوم 10 يناير 1934 عن طريق قطع رأسه بأحد سجون مدينة لايبزيغ (Leipzig).
هتلر والسلطة المطلقة
بعد ساعات قليلة من حريق الرايخستاغ، بثت آلة الدعاية النازية الرعب في قلوب الألمان من إمكانية حصول ثورة شيوعية بالبلاد. وبعد نحو 48 ساعة، تمكن هتلر من إقناع الرئيس فون هيندنبورغ بتفعيل المادة 48 من الدستور. وبالتزامن مع ذلك، وضع هتلر ووزراؤه جملة من القوانين التي علّقت بشكل مؤقت حرية الصحافة والتعبير ومنعت الاجتماعات ومنحت الشرطة حق ملاحقة كل مشتبه به. وخلال الأيام القليلة التالية، عمدت كتيبة العاصفة التابعة للحزب النازي لاعتقال حوالي 4000 شخص من معارضي أدولف هتلر.
ويوم 23 مارس 1933، اجتمع أعضاء البرلمان الألماني، ذو الأغلبية النازية، بقاعة أوبرا كرول (Kroll) ببرلين ووافقوا على منح السلطة المطلقة لأدولف هتلر الذي شغل حينها منصب المستشار.
وبفضل هذا القرار وقعت ألمانيا بشكل رسمي في قبضة النازيين. ومع حلول أواخر العام، اختفت جميع الأحزاب الأخرى المعارضة للحزب النازي ليجد بذلك هتلر الطريق ممهداً أمامه لدمج صلاحيات المستشار والرئيس بين يديه تزامناً مع وفاة بول فون هيندنبورغ مطلع أغسطس 1934.
حقيقة الحريق
ليومنا الحاضر، ما تزال حقيقة حريق مبنى الرايخستاغ عام 1933 مصدر خلاف بين المؤرخين.
فبينما يؤمن البعض بصدق ما أسفرت عنه تحقيق السلطات الألمانية حينها، يؤكد آخرون أن الحريق مفتعل من قبل النازيين الذين جعلوا مارينيوس فان دير لوبي كبش فداء للحصول على السلطة المطلقة وإحكام قبضتهم على البلاد.