لا تصلح الحلول المرتبطة بكوفيد-19، مثل اجتماعات الفيديو والتعليم عبر الإنترنت، كحلول دائمة للتعليم دون تطويرها لمواكبة التغيرات المتسارعة. فما الحلول المناسبة الممكنة؟
أظهرت جائحة كوفيد-19، كغيرها من الكوارث، عيوب الأنظمة التقليدية مثل التعليم. وشهدنا طوال العام 2020 عددًا من الإصلاحات قصيرة المدى لتسهيل التعليم عبر الإنترنت بالاعتماد على الفيديو، لكنها ليست حلولًا نهائية بعيدة المدى.
دفعت جائحة كوفيد-19 الطلاب والمعلمين والمديرين إلى تبني خيارات لم يتوقعوا يومًا أن يواجهوها. فمثلًا تراجعت جامعة كارولينا الشمالية بصورةٍ مفاجئة خلال شهر أغسطس الماضي عن قرارها باستكمال المحاضرات بعدما اكتشفت إصابة 130 طالب بكوفيد-19 خلال الأسابيع الأولى للدراسة. وشهدت الجامعات الأمريكية ما يفوق 180 ألف إصابة بالفيروس حتى وقت إعداد هذا الموضوع. وبدأ الآباء في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في التوجه نحو المجموعات الدراسية الصغيرة، واتجهت المكسيك نحو إذاعة المواد التعليمية عبر التلفاز.
ويقيس المعلمون في الصين وكوريا الجنوبية درجات حرارة الطلاب قبل بدء الحصص الدراسية. واضطر مراقبو الامتحانات إلى الاعتماد على نظام إل إس إيه تي-فلكس لضمان استمرار الامتحانات. ودفعت الجائحة أعضاء هيئة التدريس إلى تدريس موادهم التعليمية عبر الإنترنت دون تدريبٍ سابق. وأدى إغلاق الحدود بين دول العالم إلى زيادة مخاوف الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا من ضياع فرص استكمالهم لمسارهم التعليمي.
وعلينا الاستفادة من التغيرات التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 في قطاع التعليم لإنتاج جيل من الطلاب يمكنه مواجهة التحديات المستقبلية. وقد يشهد العقد المقبل نماذج تعليمية مختلفة مثل التعمق والتركيز على مواضيع معينة والاستكشافات الغامرة للعوالم الجديدة.
التعمق: التعليم المعتمد على المشاريع
اتجه خبراء التعليم منذ فترةٍ طويلة إلى ربط خططهم الدراسية ومخرجات العملية التعليمية باختبارات معيارية تعتمد على الحفظ بدلاً من الإبداع أو التفكير النقدي. ويرتبط هذا النمط التعليمي بفكرةٍ قديمة تنص على أن المواد الدراسية المختلفة مثل الرياضيات واللغة والفن منفصلة ولا يجمعها رابطٌ مشترك. لكن الواقع يشير إلى أن ذلك غير صحيح، فأكثر الأشخاص نجاحًا في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات هم الأشخاص الذين لديهم المهارات الخطابية لإيصال أفكارهم.
ولا يمثل ذلك فكرةً جديدة، إذ استخدم علماء قدامى، مثل محمد بن موسى الخوارزمي مؤسس علم الجبر، هذا النهج. فكانت معادلات الخوارزمي عبارة عن جمل وليست أرقامًا وحروف، ما جعل أطروحاته الرائدة في الرياضيات متاحة للعلماء في كل مكان. ولذا حان الوقت للعودة إلى هذه الفلسفة من خلال الاعتماد على التعلم القائم على المشاريع.
ويساعد التعلم القائم على المشاريع الطلاب على الإلمام بمجالات متنوعة بدلًا من التركيز على موضوعات محدودة. فمثلًا طلب معلم التاريخ في إحدى المدارس من الطلاب بناء قلاع من العصور الوسطى. ولذا احتاج الطلاب إلى فهم مبادئ الهندسة المعمارية الدفاعية وهندسة البنية التحتية وأنماط الطقس وتوزيع الطعام وهياكل القيادة إلى جانب تاريخ العصور الوسطى.
آفاق مفتوحة: التعلم في الهواء الطلق
زاد الإقبال على التعلم في الهواء الطلق بسبب زيادة فرصة الإصابة بـكوفيد-19 في الأماكن المغلقة. وليس ذلك أيضًا فكرةً جديدة، إذ يعود تاريخ التعلم في الهواء الطلق إلى أرسطو الذي كان تلاميذه يتبعوه خلال سيره في الأماكن العامة. وأحيت إحدى المدارس في بروكلين في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية هذا النمط التعليمي من خلال عقد الفصول الدراسية في الحدائق العامة والشوارع. ويعزز ذلك إحساس الطلاب بأنهم جزء من مجتمع ديناميكي متنوع بالإضافة إلى تعظيم شعور الطلاب بالمسؤولية عن المساحات الخضراء في مجتمعاتهم. ويدعم التعلم في الهواء الطلق في الوقت ذاته نمط التعلم القائم على المشروعات.
ولا تقتصر فوائد التعلم في الهواء الطلق على الحد من تفشي كوفيد-19 بين الطلاب فحسب، بل تساعدهم أيضًا على فهم حقائق تغير المناخ بصورةٍ أفضل كثيرًا من استخدام مقاطع الفيديو أو الواقع الافتراضي.
المدارس الداخلية
تمنح المدرسة الداخلية الذي ترعاها الدولة جميع الطلاب فرصًا تعليمية متساوية. وتمثل المدارس الداخلية حلًا مثاليًا خلال الحجر الصحي. وتستخدم بعض الجامعات نزلًا مخصصة للطلاب، ولا يزورهم آباءهم فيها إلا بعد الخضوع لفحصٍ طبي للتأكد من عدم إصابتهم. وتمتد فوائد المدارس الداخلية إلى الآباء الذين يستطيعون العودة إلى أعمالهم دون الخوف على أبناءهم.
تعليم ما بعد الحداثة: التطوير الكامل
تواجه الدول التي تعتمد على إرسال أفضل طلابها إلى بعثات خارجية مشكلة إغلاق الحدود بين الدول. ولذا حان الوقت كي تهتم هذه الدول بتطوير أنظمتها التعليمة من خلال منح المعلمين مزيدًا من الحرية والاستقلالية لتجربة أنماط جديدة قد تساعد في تغيير حياة الطلاب تمامًا.
باختصار، قد تكون أزمة كوفيد-19 الأولى من نوعها في القرن الحادي والعشرين، لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة. فالعالم سيشهد أوبئة وكوارث أخرى. ولذا على الطلاب الاستفادة من هذه الأزمة لتطوير قدراتهم لمواجهة الأزمات المشابهة. وقد تؤدي هذه الأزمة أيضًا إلى نهاية أنظمة التعليم التقليدية وابتكار أنظمة جديدة والتكيف معها.
بقلم مادلين آشبي
The post 4 تصورات لمستقبل التعليم بلا مؤتمرات الفيديو appeared first on مرصد المستقبل.