إذا كان علم النحو في اللغة العربية، ومعه علم العربية، بعامة، شبه محصور بالرجال، بحسب الأكثرية الساحقة للنحاة، وعلى ما ورد في تراجمهم من مصنفات قديمة، فإن الشاعرات وراويات الشعر العربي، قاسمن الرجال ذلك الصنف الرفيع المفضّل عند العرب، حتى سمي ديوانهم، وهو الشعر.
وعلى غير الصورة النمطية التي يتم تصويرها عن تاريخ الأدب العربي، والتي تغيب فيها النساء، كمصادر أساسية، للرواية وصناعة الموهبة، أقر أحد أكبر شعراء العرب، بفضل النساء على موهبته، معترفاً بدور عشرات النساء بشعريته الفذة، كما يجمع أهل التصنيف والتراجم والنقد، على سواء.
ستّون امرأة عربية
ستون امرأة، دفعة واحدة، وقبل أن يقول الشعر، روى عنهن أبو نواس، الشاعر المشهور شعراً وأخباراً، ليصير بعد رواية شعرهن وروايتهن، واحداً من أكبر شعراء العربية.
وأبو نواس، هو الحسن بن هانئ، وولد ما بين 136 أو 145 للهجرة، وكانت وفاته كولادته، بأكثر من تأريخ، ما بين 195 و196هـ بحسب "تاريخ مدينة السلام" المعروف بتاريخ بغداد، أحد أشهر مصنفات التراجم العربية قاطبة، للخطيب البغدادي (392-463ه).
ويورد البغدادي، ما قاله أبو نواس، عن فضل النساء، أدبياً، في صناعة موهبته: "ما قلتُ الشعرَ حتى رويتُ لستين امرأةً من العرب، فما ظنّك بالرجال؟".
لو أدرك الجاهلية لما فضلوا عليه أحداً
وبحسب النص التاريخي لإقرار أبي نواس، بفضل الأديبات الشاعرات والراويات العربيات عليه، فإن من بين الستين امرأة عربية، الخنساء المشهورة، وليلى الأخيلية، وأخريات.
ويصنَّف أبو نواس، على أنه رأس المُحدَثين، كما يصنّف امرؤ القيس، رأس الجاهليين. بحسب الإخباريين والمصنفين العرب القدامى الذين يضعون الفرزدق وجرير، على رأس الشعراء الإسلاميين: "إذا رويتَ من الجاهليين، (فـ) لامرئ القيس، والأعشى، ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق، ومن المحدثين، لأبي نواس، فحسبُك!". يقول ابن السكيت، رداً على سؤال.
شاعر كبير ولهذا هناك من يتقدّم عليه
ونقل عن الجاحظ: "ما رأيتُ أحداً كان أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجةً، مع حلاوة".
ويروي الإخباريون والرواة العرب، أن أبا نواس، لو كان من زمن الجاهلية، لكان الأفضل بين شعرائها: "لو أدركَ الخبيثُ الجاهليةَ، ما فُضِّل عليه أحد" ينقل الخطيب البغدادي.
في المقابل، أبو نواس كان يدرك، وفي الصميم، ما ليس عنده، فنزلت مرتبته عن اقتحام مرتبة طبقة الجاهليين الشعرية، وهو استعمال اللفظ الفصيح العربي القديم الذي يمنح الكلام جرساً وأثراً في السامع يطرب له أشد الطرب، فقال مقراً بذلك كله، كما لو أنه يعزّي نفسه: "لو كان كلّ شعري يملأ الفم، لما تقدَّم عليَّ أحد!".