أواخر صيف عام 1941، عاشت البحرية السوفيتية على وقع إحدى أسوأ فتراتها بسبب الألغام البحرية وسلاح الجو الألماني "اللوفتفافه" (Luftwaffe). فعقب الانتكاسة التي مرّ بها جيش البر وسلاح الجو السوفيتي تزامنا مع بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية يوم 22 حزيران/يونيو 1941 ضمن عملية بربروسا، عرفت البحرية السوفيتية بعد نحو شهرين أياما سوداء شهدت غرق عدد كبير من قطعها البحرية ومقتل الآلاف من الجنود السوفيت.
خطة سوفيتية فاشلة
مع إلحاق دول البلطيق بالاتحاد السوفيتي عام 1940، تحوّلت تالين (Tallinn)، عاصمة إستونيا، للمقر الرئيسي لأسطول البلطيق السوفيتي. وعلى حسب البرنامج الذي حضّره الخبراء العسكريون السوفيت حينها، حصّنت تالين بشكل جيد لمواجهة أي هجوم جوي أو بحري محتمل وظلت في مقابل ذلك فريسة سهلة للهجمات البرية بذريعة حاجة الألمان لعبور أراضي كل من ليتوانيا ولاتفيا لبلوغها وهو الأمر الذي اعتبره السوفيت حينها مستحيلا.
وعقب أسابيع من بداية الحرب على الجبهة الشرقية، حصل ما لم يتوقعه السوفييت إذ تمكنت فرق الجيوش الشمالية الألمانية من التدخل بأستونيا ونجحت يوم 7 آب/أغسطس 1941 في بلوغ سواحل خليج فنلندا فارضة بذلك حصارا خانقا على تالين التي عزل بداخلها عدد هام من الجنود السوفييت عن بقية فرق الجيش الأحمر.
خطة إجلاء
أمام هذا الوضع وجد آلاف الجنود السوفييت، الذين انتموا في الغالب إما لسلاح البحرية أو لفيلق المشاة العاشر وفرق مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، أنفسهم محاصرين داخل أسوار تالين واضطروا على مدار أيام لمواجهة القصف المدفعي الألماني والنقص الحاد في الغذاء والذخيرة. ويوم 27 آب/أغسطس، أمر الأميرال السوفيتي فلاديمير تريبوتس (Vladimir Tributs) جميع القوات بالتراجع نحو الميناء استعدادا لإجلائهم عن طريق السفن نحو المناطق القريبة من لينينغراد.
ألغام بحرية وقصف جوي
وقد انطلقت عمليات الإجلاء من تالين وسط أجواء من الفوضى حيث تسابق عشرات الآلاف من الجنود السوفيت نحو الميناء وتزاحموا داخل 225 سفينة تابعة لأسطول البلطيق. وعلى حسب المصادر الألمانية، فشل عدد كبير من السوفيت في الحصول على مكان بسفن الإجلاء حيث أسر الألمان عند دخولهم لتالين نحو 11 ألف جندي سوفيتي.
إلى ذلك، كان السوفييت على دراية بتواجد أعداد كبيرة من الألغام البحرية التي وضعها الألمان والفنلنديون بخليج فنلندا خلال الفترة السابقة. وبسبب ذلك، اضطرت السفن السوفيتية المنسحبة للاستعانة بصائدات الألغام البحرية التي تقدمت ببطء بالخطوط الأمامية لإزالة الألغام.
بسبب بطء تقدّمه بعرض البحر، تحوّل الأسطول السوفيتي لفريسة سهلة للمدافع الساحلية وطائرات سلاح الجو الألماني التي قامت بطلعات جوية عديدة بالمنطقة قصفت خلالها السفن السوفيتية المنسحبة. إضافة لذلك، اضطرت صائدات الألغام للعمل ليلا فواجهت بذلك صعوبة في تحديد وإزالة الألغام التي انفجر بعضها متسببا في خسائر جسيمة.
ومنذ مغادرته لتالين، فقد فلاديمير تريبوتس السيطرة على أسطوله. وتحت وطأة القصف، لجأت العديد من السفن للتحرك بشكل منفرد فتقدمت عن رفيقاتها وواجهت بذلك خطر الألغام البحرية.
60 سفينة و12 ألف قتيل
عند اقترابه من كرنشتات (Kronstadt)، تنفس الأسطول السوفيتي الصعداء إذ حلت طائرات الاتحاد السوفيتي لتأمين ما تبقى من عملية الانسحاب.
إلى ذلك، أسفرت عملية إجلاء الجنود من تالين عن إغراق أكثر من 60 سفينة سوفيتية، كان من ضمنها نحو 40 ناقلة جند إضافة لعدد من البوارج وصائدات الألغام، ومقتل نحو 12 ألف شخص توزعوا بين مدنيين وعسكريين. وبسبب هذا العدد الهائل من السفن المدمرة والقتلى صنفت عملية الإجلاء من تالين أواخر آب/أغسطس 1941 كواحدة من أسوأ الكوارث بتاريخ البحرية السوفيتية.