ظروف شاقة واحتجاجات دموية.. هذه قصة “يوم العمل” بأميركا

سنويا، تحتفل الولايات المتحدة الأميركية خلال أول يوم اثنين من شهر أيلول/سبتمبر بيوم العمل. وعلى الرغم من اعتماده كيوم عطلة رسمية بالبلاد وتصنيفه من قبل البعض كرمز لنهاية فصل الصيف ودخول الخريف، يحمل يوم العمل بين طيّاته ذكرى معاناة عمالية واضطرابات عاشت على وقعها الولايات المتحدة الأميركية خلال القرن التاسع عشر أسفرت عن ظهور العديد من الإضرابات والاحتجاجات التي اتخذت أحيانا شكلا دمويا.

ظروف عمالية صعبة

أواخر القرن التاسع عشر، أجبر العمال بالمصانع على العمل لمدة 12 ساعة يوميا على مدار أسبوع كامل لتحصيل لقمة العيش. وعلى الرغم من صدور بعض القوانين التي قيّدت ذلك، لم يتردد العديد من أرباب العمل في تشغيل أطفال قدّرت أعمارهم أحيانا بخمس وست سنوات فقط، فأجبروهم على القيام بأعمال مرهقة، خصصت في العادة للبالغين، بمصانع النسيج ومناجم الفحم مقابل أجور زهيدة عادلت بالكاد نصف ما كان يتقاضاه العامل البالغ.

من جهة ثانية، واجهت نسبة هائلة من العمال، تكونت أساسا من المهاجرين، ظروف عمل شاقة محفوفة بالمخاطر بسبب غياب قواعد السلامة المهنية وافتقارهم للخدمات الصحية والتهوية الجيدة بمواقع العمل.

ومع تخلي عدد كبير من الأميركيين عن الفلاحة وتحوّل الصناعة لأهم قطاع مشغّل بالولايات المتحدة الأميركية، شهد أواخر القرن التاسع عشر ظهور العديد من النقابات والمنظمات العمالية التي اتجهت لتنظيم حركات احتجاجية للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتقليص عدد ساعات العمل وتحسين الأجور.

أحداث هايماركت

وبكثير من المرات، اتخذت هذه الاحتجاجات منحى دمويا. فخلال احتجاج هايماركت (Haymarket Riot) في شهر أيار/مايو 1886، احتج العمال بشيكاغو ضد ظروف العمل القاسية وطالبوا أرباب المصانع بالاكتفاء بثماني ساعات عمل يومية فقط. وقد استمر الاحتجاج لمدة 4 أيام انتهت بصدام بين الشرطة والمحتجين انفجرت في خضمه قنبلة أسفرت عن مقتل 7 رجال شرطة و8 مدنيين.

عام 1889، أعلن الاشتراكيون بباريس مطلع شهر أيار/مايو يوما عالميا للعمال. في الأثناء، راق هذا الأمر للعديد من الحركات العمالية بالعالم وخاصة بالولايات المتحدة الأميركية حيث طالبت النقابات العمالية بحركة مماثلة.

وأمام هذا الوضع، عبّر الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند (Grover Cleveland) عن خوفه من أن يتحول هذا الاحتفال لذكرى سنوية يجتمع حولها متعصبو هايماركت فطالب بدلا من ذلك باعتماد يوم آخر بدلا من مطلع شهر أيار/مايو مرجحا فرضية اعتماد أحد أيام شهر أيلول/سبتمبر. وعقب جملة من الضغوطات التي مارسها كليفلاند على المشرعين بالولايات، وافقت بحلول عام 1894 قرابة نصف الولايات على اعتماد يوم العمل.

احتجاجات أخرى

من جهة ثانية، احتاجت الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة أخرى مع العمال لاعتماد يوم العمل كيوم عطلة رسمية بكامل أرجاء البلاد.

فيوم 11 أيار/مايو 1894، نظّم عمال شركة بولمان بالاس (Pullman Palace Car Company)، المختصة في صناعة عربات القطار الفاخرة، إضرابا للاحتجاج على أجورهم الهزيلة، وطالبوا بتخفيض عدد ساعات عملهم المقدرة حينها بنحو 16 ساعة عمل يوميا. ويوم 22 حزيران/يونيو من نفس السنة، التحق أفراد اتحاد السكك الحديدية الأميركية، إحدى أهم الحركات النقابية حينها، بالإضراب وعطّلوا حركة السكك الحديدية بالبلاد.

يوم العمل

أملا في انهاء الأزمة وتوجيه صفعة للنقابات العمالية، اتجه المسؤولون بواشنطن لإقرار يوم العمل كعطلة وطنية رسمية اعتمادا على مقترح تقدم به منذ 10 أشهر السيناتور جيمس كايل (James Kyle). وفي وقت قياسي، مرر الكونغرس مشروع قانون يوم العمل الذي وقّعه الرئيس الأميركي يوم 28 حزيران/يونيو 1894.

إلى ذلك، جاء إقرار يوم العمل عطلة رسمية ليشكل حركة رمزية قامت بها السلطات الأميركية لتخفيف حدّة التوتر. فبعد حوالي أسبوع فقط، تدخلت القوات الفيدرالية بشيكاغو لإنهاء الاحتجاجات لتشهد بذلك المدينة حالة من الفوضى انتهت بإطلاق الأمن للرصاص على المحتجين وسقوط 30 قتيلا. من جهة ثانية، لم يحسن يوم العمل من الحالة المزرية التي عانى منها العمال حيث اضطر هؤلاء للانتظار 44 سنة إضافية للحصول على قانون حدد الحد الأدنى للأجور وقلّص ساعات العمل وحدّ من تشغيل الأطفال.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: