لهذا صوّت الأميركيون السمر للحزب الديمقراطي عام 1936

ما بين عامي 1929 و1939، عاش العالم على وقع أزمة الكساد الكبير التي هزت الاقتصاد العالمي مخلفة خسائر فادحة، خاصة بالقطاع الصناعي الذي شهد إفلاس العديد من المؤسسات الصناعية وتسريحاً مكثفاً للعمال الذين سرعان ما وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل.

ويتفق أغلب المؤرخين على بداية هذه الأزمة الاقتصادية إثر حادثة انهيار سوق الأسهم الأميركية يوم 29 أكتوبر 1929 الملقب بالثلاثاء الأسود، والتي جاءت لتنهي فترة العشرينيات الرائعة المسماة لدى كثيرين بالسنوات المجنونة، المعروفة لدى الأميركيين بمصطلح العشرينات الهادرة Roaring Twenties، وتمهد لظهور ما يعرف بـ"الثلاثينات القذرة" في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي خضم الكساد الكبير، مثّل ذوو البشرة السمراء أكثر مكونات المجتمع الأميركي تأثراً بالأزمة. فمقارنة بالبيض، كانت معدلات البطالة أكبر لدى ذوي البشرة السمراء الأميركيين الذين وجد أغلبهم أنفسهم في ظروف صعبة جداً أثناء فترة سادت بها سياسة التمييز العنصري.

معدلات بطالة قياسية وهجرة

قبل بداية الأزمة، صنّف أغلب ذوي البشرة السمراء بالولايات المتحدة ضمن طبقة العمالة غير الماهرة فحصلوا بذلك على وظائف قليلة الأجر كانت بالكاد تسد حاجياتهم. ومع انهيار سوق الأسهم، فقدت النسبة الساحقة من ذوي البشرة السمراء وظائفها، حيث عمد كثير من أرباب العمل للتخلص من العمال ذوي البشرة السمراء بهدف تشغيل البيض، الذين سرّحوا من وظائفهم بسبب الأزمة، بدلاً منهم. وعلى حسب مصادر مكتبة الكونغرس، استقرت نسبة البطالة بين ذوي البشرة السمراء الأميركيين عند أرقام قياسية قدرت أحياناً بأكثر من 50%.

فبالولايات الجنوبية، استقرت نسبة البطالة بين ذوي البشرة السمراء عند ثلاثة أضعاف تلك المسجلة لدى البيض. وبمدينة أتلانتا، في ولاية جورجيا، لوحدها كان 70% من ذوي البشرة السمراء عاطلين عن العمل بحلول عام 1934. وبالولايات الشمالية، قدرت نسبة البطالة بين البيض بحوالي 25% بينما تجاوزت الضعف بين ذوي البشرة السمراء. وبمدينة شيكاغو، فاقت نسبة البطالة بين ذوي البشرة السمراء الأميركيين الـ50% بينما ارتفعت أكثر لتبلغ 60% بفيلادلفيا وديترويت.

وتماما كرفاقهم بالمدن، عرف ذوو البشرة السمراء الذين عملوا بالقطاع الفلاحي فترة صعبة في خضم أزمة الكساد الكبير التي رافقتها أهوال قصعة الغبار Dust Bowl. وأملاً في النجاة من أزمة البطالة، هاجر، بحسب مصادر تلك الفترة، 1.8 مليون من ذوي البشرة السمراء مناطق الريف الجنوبية نحو المدن الشمالية والغربية.

الحقوق المدنية

وفي مقابل كل هذه الصعاب التي مروا بها، ساهمت أزمة الكساد الكبير في تأجيج حركة الحقوق المدنية لذوي البشرة السمراء، حيث لجأت نسبة كبيرة منهم للضغط على المؤسسات التي رفضت توظيفهم لأسباب عنصرية عن طريق مقاطعة منتجاتها.

كما أسس ذوو البشرة السمراء، خلال فترة الكساد الكبير، العديد من الجمعيات المدنية التي باشرت بالمطالبة بإجهاض العديد من القوانين التي صنّفتها بـ"الظالمة" كضريبة الانتخاب.

ذوو البشرة السمراء والحزب الديمقراطي

من جهة أخرى، غيّرت أزمة الكساد الكبير سياسة التصويت في الانتخابات بالنسبة لذوي البشرة السمراء. فبعد عقود قضوها في التصويت للحزب الجمهوري باعتباره حزب الرئيس السابق ومجهض العبودية، أبراهام لنكولن، اتجه ذوو البشرة السمراء خلال الثلاثينيات نحو التصويت بكثافة للحزب الديمقراطي، حيث تعاطف الكثير منهم مع الرئيس فرانكلن روزفلت، المنتمي للحزب الديمقراطي، واعتبروه رمزاً للإرادة القوية بسبب تحديه لمرض شلل الأطفال الذي عانى منه.

إلى ذلك اتهم الرئيسان السابقان كالفين كوليدج وهربرت هوفر المنتميان للحزب الجمهوري بسوء إدارة أزمة الكساد الكبير والفشل في التصدي لها. وبفضل برنامج الصفقة الجديدة New Deal الذي جاء به عام 1933، كسب روزفلت عطف نسبة كبيرة من ذوي البشرة السمراء خاصة بالمناطق الجنوبية. وفي انتخابات عام 1936، تحدثت مصادر عدة عن تصويت 70% من ذوي البشرة السمراء الأميركيين للحزب الديمقراطي ومرشحه فرانكلن روزفلت.

كما حافظ روزفلت على دعم ذوي البشرة السمراء له بشكل لافت للانتباه. فعلى الرغم من استمرار تواجد قوانين التمييز العنصري وفشل برنامج الصفقة الجديدة في تقديم دعم كاف لهم، ضاعف روزفلت من عدد ذوي البشرة السمراء الأميركيين العاملين بإدارته وبالقطاع الفيدرالي كاسباً بذلك مزيداً من المؤيدين منهم.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: