هكذا انتهى تقارب روسي فرنسي بحرب عالمية قتلت الملايين

سنة 1890، تفاجأت أوروبا باستقالة المستشار الألماني، الملقب بالمستشار الحديدي، أوتو فون بسمارك (Otto Von Bismarck) الذي لعب الدور الأبرز في تحقيق حلم الوحدة الألمانية عام 1871. وقد جاءت استقالة بسمارك، الذي قضى نحو 19 عاما بالمنصب، عقب صعود فيلهلم الثاني (Wilhelm II) على عرش ألمانيا خلفا لوالده فريدريك الثالث (Frederick III) الذي توفي يوم 15 يونيو 1888 بسبب إصابته بسرطان الحنجرة.

فبعد مضي أقل من عامين على استلامه عرش ألمانيا، اختلف فيلهلم الثاني مع مستشاره بسمارك واتجه للحد من سلطاته. وبينما اعتمد بسمارك طيلة السنوات الفارطة على السياسة الواقعية (Realpolitik) لضمان مكانة بلاده بأوروبا والحفاظ على موازين القوى، اتجه فيلهلم الثاني نحو اعتماد برنامج السياسة العالمية (Weltpolitik) التي ركّزت على تحويل ألمانيا لقوة استعمارية وعسكرية. وبسبب هذا الخلاف الجوهري حول السياسة الخارجية للبلاد، أجبر بسمارك على التخلي عن منصبه متسببا بذلك في خلق وضع سياسي جديد بأوروبا مهّد لاندلاع الحرب العالمية الأولى.

سياسة عزل فرنسا بأوروبا

وطيلة فترة تقلده لمنصب المستشار، تمكّن بسمارك من عزل فرنسا سياسيا بأوروبا عقب حرب 1870 التي انتهت بهزيمة الفرنسيين وتحقيق الوحدة الألمانية وحصول ألمانيا على منطقة الألزاس لورين (Alsace-Lorraine). وبادئ الأمر، تمكّن بسمارك من إقصاء فرنسا من التحالفات على الساحة الأوروبية عن طريق إبرام اتفاقية الأباطرة الثلاثة التي جمعت بين كل من القيصر الروسي ألكسندر الثاني والقيصر الألماني فيلهلم الأول وإمبراطور النمسا فرانز جوزيف. وبفضل حنكته السياسية، نجح المستشار الألماني في الحفاظ على هذه الاتفاقية لسنوات على الرغم من وجود خلافات كبيرة بين الروس والنمساويين حول مسألة البلقان.

عام 1882، ساهم بسمارك في ظهور التحالف الثلاثي الذي جمع بين كل من ألمانيا وإيطاليا والنمسا – المجر. ولتجنب أي تقارب روسي فرنسي محتمل خلال السنوات التالية، أبرم المستشار الحديدي سنة 1887 اتفاقية سرية، دون علم النمساويين، مع القيصر الروسي ألكسندر الثالث.

وعلى حسب اتفاقيته مع الروس، تعهّد القيصر ألكسندر الثالث بعدم التدخل بأي نزاع قد يندلع بين الألمان والفرنسيين. وفي المقابل، وعد بسمارك بضمان حياد بلاده فيما يخص مسألة خلاف الروس مع النمساويين حول البلقان.

تقارب روسي فرنسي انتهى بحرب عالمية

مع رحيل أوتو فون بسمارك عام 1890 وتعيين ليو فون كابريفي (Leo von Caprivi) بدلا منه، فضّل القيصر الجديد فيلهلم الثاني التقرّب من النمسا وتعزيز العلاقات مع إمبراطورها فرانز جوزيف. وبسبب ذلك، رفض القيصر الألماني تجديد اتفاقيته السابقة مع روسيا واعتبرها متناقضة مع التوجهات الجديدة لبلاده.

إلى ذلك، جعلت السياسة الخارجية الجديدة لفيلهلم الثاني التقارب الروسي الفرنسي أمرا حتميا حيث استغلت فرنسا هذه الفرصة لفتح حوار مع القيصر ألكسندر الثالث الذي رحّب بالأمر واعتبره خطوة ضرورية لمواجهة الصداقة الألمانية النمساوية والحفاظ على موازين القوى بأوروبا.

سنة 1891، سرّعت عملية تجديد اتفاقية التحالف الثلاثي بين برلين وروما وفيينا في نشأة التحالف الروسي الفرنسي. وبعد زيارة قام بها أسطول بحري فرنسي لميناء كرنشتات (Kronstadt) الروسي سنة 1891 وأخرى قام بها أسطول بحري روسي لميناء تولون (Toulon) الفرنسي سنة 1893، قبل الطرفان بما جاء بالإتفاق المبدئي لعام 1892 والذي يقضي بأن تجند باريس ما لا يقل عن 1.3 مليون جندي لدعم روسيا في حال مهاجمتها من قبل ألمانيا، وأن تقوم سانت بطرسبرغ في المقابل بإرسال 800 ألف عسكري لمقارعة الألمان في حال قيامهم بعمل عدائي ضد فرنسا.

كرّس هذا التحالف الفرنسي الروس الذي انضمت إليه بريطانيا لاحقا ظهور سياسة التحالفات بأوروبا وساهم في زيادة حدة التوتر بأوروبا. وعام 1914، تحوّل الصراع النمساوي الصربي لحرب عالمية على إثر تفعيل هذه التحالفات العسكرية.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: