بالحرب الباردة.. تعاون الأميركيون والسوفيت وأنتجوا لقاحا أنقذ الملايين

مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة ما يزيد عن 60 مليون شخص، واجهت البشرية تحدّيا جديدا تمثّل في انتشار مرض شلل الأطفال. فأثناء فترة تصاعدت خلالها وتيرة العداء الأميركي السوفيتي وحاول أثناءها البشر إعادة إعمار المناطق التي خرّبتها الحرب العالمية الثانية، سجلت معدلات الإصابة بمرض شلل الأطفال ارتفاعا قياسيا. فبالولايات المتحدة الأميركية، أحصت وزارة الصحة الأميركية أكثر من 50 ألف إصابة بشلل الأطفال فارق منهم 3 آلاف الحياة وعانى 20 ألفا آخرون من عاهات مستديمة.

وبفضل أبحاث وتجارب العالمين الأميركيين جوناس سالك (Jonas Salk) وألبرت سابين (Albert Sabin) خلال الخمسينيات، حصل البشر على لقاح فعّال ضد شلل الأطفال. وبينما اعتمد الأول على فيروس ميت في أبحاثه، فضّل سابين استخدام فيروس حي وابتكر لقاحا فمويا ضد شلل الأطفال. وخلال السنوات التالية، رفض كلا الرجلين الحصول على عوائد مالية مقابل براءة اختراع اللقاح ففرطا في ثروة هائلة مؤكدين تنازلهما عن أية حقوق مالية تذكر بهدف توفير لقاح شلل الأطفال للجميع بثمن رخيص.

شلل الأطفال بالاتحاد السوفيتي

وبالاتحاد السوفيتي، لم يختلف الوضع الصحي كثيرا عن ذلك المسجل بالولايات المتحدة الأميركية. فأواخر العشرينيات، سجل السوفيت أقل نسبة إصابات بشلل الأطفال مقارنة ببقية الدول الأوروبية. وبداية من العام 1949، ارتفعت نسبة الإصابة بشلل الأطفال بشكل لافت للانتباه خاصة بجمهوريات ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وكازاخستان السوفيتية. ومنتصف الخمسينيات، سجل الاتحاد السوفيتي سنويا حوالي 15 ألف إصابة. وبحلول العام 1958، ارتفع هذا العدد ليقارب 25 ألفا.

ولمجابهة خطر هذا المرض، أنشأ الاتحاد السوفيتي معهد مقاومة شلل الأطفال. وقد كان مؤسس هذا المعهد عالم المكروبيولوجيا السوفيتي الشهير ميخائيل تشوماخوف (Mikhaïl Tchoumakov) الذي تمكن في وقت سابق من عزل الفيروس المسبب لالتهاب الدماغ.

وخلال شهر يناير 1956، أعلنت الصحف السوفيتية والأميركية عن تواجد العالم تشوماخوف، رفقة العالمة مارينا فوروشيلوفا (Marina Vorochilova) والمكروبيولوجي أناتولي سمورودينتسيف (Anatoly Smorodintsev)، بالأراضي الأميركية لمتابعة طرق التعامل مع مرضى شلل الأطفال والتعرف على اللقاح الذي وضعه العالم جوناس سالك الذي كان ابن مهاجرة روسية الأصل.

تراجع الإصابات

أثناء هذه الزيارة للولايات المتحدة الأميركية، التقى تشوماخوف بالعالم الأميركي ألبرت سابين. وبسبب عدم مشاكل اختلاف اللغة بين الطرفين، اعتمد كل من تشوماخوف وسابين على مترجمين وتمكنا من التوصل لاتفاق حول لقاح قادر على إنقاذ حياة الملايين.

وخلال العام 1956، زار ألبرت سابين موسكو ولينينغراد. ومع عودته لوطنه، طلب الأخير من المسؤولين الأميركيين إرسال عدد من السلالات المضعّفة من فيروس شلل الأطفال للمخابر السوفيتية للمساعدة في تقدم الأبحاث وتوفير اللقاح. وعلى الرغم من ترددها بادئ الأمر وتخوّفها من استغلال السوفيت لذلك لإنتاج أسلحة بيولوجية، وافقت الإدارة الأميركية على إرسال الفيروس المضعّف لموسكو.

مع حصولهم على سلالات الفيروس المضعّف، باشر العلماء السوفيت أبحاثهم وتمكّنوا من صناعة لقاح ضد شلل الأطفال جرّب بنجاح. ولتجنّب الحقنة أثناء عملية التلقيح وتسهيل عملية تقديمه للأطفال، ابتكر تشوماخوف لقاحا فمويا على شاكلة حبّة حلوى.

أواخر العام 1960، حصل جميع سكان الاتحاد السوفيتي الذي قلت أعمارهم عن 20 سنة، أي نحو 77 مليون نسمة، على اللقاح. وعام 1961، تلقى حوالي 80% من سكان الاتحاد السوفيتي اللقاح ليتراجع عدد الإصابات بمرض شلل الأطفال بشكل لافت للانتباه. فبحلول العام 1967، قدّر عدد الإصابات السنوية بأقل من 60 إصابة.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: