منذ أيام وأنظار العالم مسمرة على بيلاروسيا، مع تفجر أزمة اللاجئين ثانية، وسط اتهامات دولية لا سيما أوروبيا، لرئيسها ألكسندر لوكاشنكو بالوقوف وراء بحر المهاجرين الذي تدفق على حدود بولندا.
إذ يتهم الغرب لوكاشنكو باستدراج المهاجرين ومعظمهم من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا لإرسالهم عبر الحدود، ردا على عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي، على خلفية حملة نظامه الأمنية ضد المعارضة.
فمن هو هذا الرئيس الذي يلقب بـ "الأب"؟
أمسك لوكاشينكو البالغ من العمر 67 سنة، بالسلطة في بلاده لما يقارب الثلاثة عقود، بانياً صورة لنفسه أو مروجا للقب "باتكا" أو "أب الشعب البيلاروسي."
فقد أسس المدير السابق لإحدى المزارع السوفيتية، بحسب "نيويورك تايمز" لما يعرف بعبادة الشخصية "باتكا".
"آخر دكتاتور في أوروبا"
كما أطلق عليه الإعلام الأوروبي لقب "آخر دكتاتور في أوروبا"، لاسيما وأنه له باع طويل من تحدي سياسة الاتحاد الأوروبي.
إلى ذلك، تثير شخصيته جدلا واسعا محليا ودوليا، فالزعيم "الزئبقي" روج لنظريات غريبة في مكافحة كورونا، إذ اعتبر في بعض تصريحاته أن هوكي الجليد والفودكا والساونا وقيادة الجرارات قد تكون علاجات فعالة ضد الفيروس.
إلى ذلك، أجبر جنرالاته في إحدى المرات على إلقاء التحية على نيكولاي ابنه المراهق، البالغ من العمر 17 عامًا ، والذي ينظر إليه على أنه الوريث غير المعلن.!
كما أرسل الرجل الحليف لموسكو، الشهر الماضي، طائرة مقاتلة لاعتراض طائرة ركاب أوروبية، تقل معارضا منشقاً بارزاً.
ولعل الأهم من هذا كله، أنه جعل بلاده غير الساحلية، التي تحدها روسيا وبولندا وأوكرانيا وليتوانيا ولاتفيا، منطقة معزولة، لا بل معززة عسكريا ومساحة موثوقة بين روسيا وخصميها التوأم، الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
إلا أن قبضته الحديدية تلك على البلاد، راكمت هفواته، وأدى نمطه المستمر لسنوات في تزوير نتائج الانتخابات وإسكات المعارضة وقمعها بعنف إلى خسائر فادحة.
فقد اندلعت احتجاجات حاشدة في أغسطس من العام الماضي، بعد أن أعلن فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية التي اعتبرها كثيرون "مزورة"، في اختبار لم يسبق له مثيل لقبضته على السلطة.
تسلم السلطة
يذكر أن لوكاشينكو الذي يتمتع بلهجة ريفية قاسية، تصدر واجهة السلطة في أوائل التسعينيات ، بعد أن صور نفسه كبطل شعبي يقاوم النخبة الفاسدة وغير الأخلاقية والبلطجية في البلاد.
تصدر كلامه البرلمان البيلاروسي في ديسمبر 1993، بعد أن انتقد "الفوضى" و"المحتالين" في البلاد.
ليصعد لاحقا كالصاروخ، ويصبح أول رئيس منتخب بعد أقل من عام.
إلا أن الرجل الذي قدم نفسه في البداية كمدافع عن المستضعف، سرعان ما ضرب بيد من حديد، وركزت حكوماته المتعاقبة جهدها على ملاحقة ومضايقة أي صوت معترض أو منتقد، لا بل اختفى بعض المعارضين وسجنوا، فيما نفوا آخرون اختياريا إلى خارج البلاد.
كما اعتقلت السلطات في عهده المتواصل، الصحفيين وقمعت وسائل الإعلام المستقلة.