بهذه المعاهدة.. حاولت أوروبا تجنب الحرب العالمية الثانية

بعد مضي نحو 7 سنوات على نهاية الحرب العالمية الأولى، اتجهت القوى الأوروبية لعقد مؤتمر يجمع الأعداء السابقين أملا في تخفيف حدة التوتر وإعادة الاستقرار لأوروبا وتحسين العلاقات الدبلوماسية.

فعقب نهاية النزاع الذي أودى بحياة أكثر من 10 ملايين شخص، شجبت ألمانيا اتفاقية فرساي ودانت بنودها التي اعتبرتها مهينة. وخلال العام 1923، لم تتردد القوات الفرنسية في التدخل عسكريا بحوض الرور (Ruhr) الصناعي للضغط على ألمانيا وإجبارها على مواصلة دفع التعويضات المالية التي أقرتها معاهدة فرساي.

إعادة جدولة عملية دفع التعويضات

ومع احتلال حوض الرور، واجه الاقتصاد الألماني خطر الانهيار. وأمام هذا الوضع، حاولت الولايات المتحدة الأميركية التدخل وطالبت بعقد مؤتمر بلندن يشارك فيه خبراء سياسيون واقتصاديون لتقييم مدى قدرة جمهورية فيمار (Weimar)، أي ألمانيا ما بين عامي 1918 و1933، على مواصلة دفع التعويضات التي نصّت عليها معاهدة فرساي الموقعة يوم 28 حزيران/يونيو 1919.

إلى ذلك، أفضى هذا المؤتمر لإقرار خطة داوز (Dawes Plan) التي نصّت على إنهاء احتلال حوض الرور الصناعي، الذي تسبب احتلاله عام 1923 في أزمة تضخم بألمانيا، ووضع برنامج لإعادة جدولة سداد أقساط التعويضات الألمانية. وفي مقابل ذلك، رفض الحلفاء السابقون بالحرب العالمية الأولى، إجلاء قواتهم من إقليم راينلاند (Rhineland) الذي سعت ألمانيا جاهدة لاستعادته وبسط نفوذها عليه بناء على طلب من وزير خارجيتها غوستاف شتريسمان (Gustav Stresemann).

معاهدة لإعادة السلام لأوروبا

وسعيا لتحسين العلاقات الدبلوماسية وإنهاء الخلافات بغرب القارة الأوروبية، دعا وزير الخارجية الفرنسي أريستيد بريان (Aristide Briand) لعقد مؤتمر لمناقشة سبل حل الخلافات بين مختلف الدول ووضع خطة جديدة للأمن الجماعي بالمنطقة. وقد راقت هذه الفكرة لوزير الخارجية البريطاني السير أوستن تشامبرلين (Sir Austen Chamberlain) الذي تفاءل بإمكانية تصالح الألمان والفرنسيين وإنهاء فرنسا لسياسة التحالفات الجديدة التي اتجهت من خلالها لفرض حصار حول ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى.

يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 1925، اجتمع بمدينة لوكارنو (Locarno) السويسرية وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والدوتشي الإيطالي بينيتو موسوليني وممثلين عن كل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا لمناقشة أسس معاهدة جديدة قد تعيد الأمن لأوروبا وتجنبها نزاعات مستقبلية شبيهة بالحرب العالمية الأولى.

بعد مناقشات استمرت لعشرة أيام وسط أجواء مشحونة، قبل الحاضرون بمعاهدة عرفت بمعاهدة لوكارنو وتضمنت سبعة بنود رئيسية. وبموجب هذه المعاهدة، تعهدت ألمانيا باحترام التقسيم الجغرافي والحدود التي أقرتها معاهدة فرساي. أيضا، وعد الألمان بعدم اللجوء للخيار العسكري لحل الخلافات المستقبلية والتوجه نحو المنظمات الدولية لحسمها.

من ناحية أخرى، قبلت ألمانيا بجعل راينلاند إقليما منزوع السلاح والتحقت، بعد موافقة بريطانيا وفرنسا، يوم 6 أيلول/سبتمبر 1926 بمنظمة عصبة الأمم التي ظهرت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى للحفاظ على السلم العالمي. أيضا، أبرمت فرنسا اتفاقيات دفاعية مع كل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا لضمان حدودهما ضد أي تدخل ألماني.

بفضل هذه المعاهدة التي آمن الجميع بقدرتها على تحقيق السلام بأوروبا، تقاسم وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا، أريستيد بريان وغوستاف شتريسمان، جائزة نوبل للسلام لعام 1926.
في الأثناء، لم تصمد هذه المعاهدة طويلا. فبعد نحو 10 سنوات، استغل أدولف هتلر الاتفاقية السوفيتية الفرنسية لعام 1935 كعلة ليدين معاهدة لوكارنو ويباشر بعملية إعادة تسليح راينلاند.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: