خلال منتصف القرن التاسع عشر، مثّل حزب اليمين (Whig) والحزب الديمقراطي أهم حزبين رئيسيين بالولايات المتحدة الأميركية.
بمناسبتين، انتخب الأميركيون خلال عامي 1840 و1848 رئيسا من حزب اليمين كما دوّن التاريخ أسماء شخصيات سياسية بارزة انضوت تحت شعار اليمينيين خلال الفترة التي سبقت الحرب الأهلية من أمثال السيناتور هنري كلاي (Henry Clay) والسيناتور ووزير الخارجية دانيل وبستر (Daniel Webster) ومجهض العبودية أبراهام لنكولن.
ومنذ ظهوره عام 1834، عرف حزب اليمين صعودا سريعا وصنّف كأحد أهم الأحزاب بالبلاد حيث قارع الأخير الحزب الديمقراطي، الذي أسسه أندرو جاكسون (Andrew Jackson) عام 1828، قبل أن ينهار بعد 20 عاما.
نشأة حزب اليمين
إلى ذلك، كان أتباع حزب اليمين أشخاصا ذوي توجهات مختلفة حيث تواجد ضمنهم الوطنيون الجمهوريون ومناهضو الماسونية (أتباع الحزب المناهض للماسونية سابقا) والديمقراطيون الغاضبون المنشقون عن الحزب الديمقراطي وقد توحّد هؤلاء حول حزب اليمين بسبب معارضتهم الشديدة لسياسة الرئيس أندرو جاكسون وجعلوا من هنري كلاي أحد أبرز وجوه حزبهم.
في الأثناء، ظهر حزب اليمين عام 1834 بسبب خلاف جوهري مع الرئيس أندرو جاكسون حول تمويل البنك الوطني. ومنذ البداية، وصف الديمقراطيون خصومهم اليمينيين بالبورجوازيين والأثرياء الشماليين واتهموهم بالتهرب من المسؤولية والسعي للتنكر لإرادة الشعب.
وفي حقيقة الأمر، لم يكن أعضاء حزب اليمين سوى سياسيين حاولوا إدخال إصلاحات على البلاد ودافعوا عن حقوق السكان الأصليين وعارضوا بشدة قيام أندرو جاكسون بتهجيرهم نحو المناطق الغربية ضمن عملية درب الدموع التي تلت إقرار قانون إزالة الهنود سنة 1830.
رئيسان توفيا بالمنصب
خلال العام 1836، خسر مرشح حزب اليمين هنري كلاي السباق الرئاسي لصالح الديمقراطي مارتن فان بيورين (Martin Van Buren). وبحلول العام 1840، حظيت الولايات المتحدة الأميركية بأول رئيس انتمى لحزب اليمين حيث تمكّن المرشح وليام هنري هاريسون (William Henry Harrison) من اكتساح المجمع الانتخابي حاصدا 234 صوتا مقابل 60 صوتا لمنافسه الرئيس السابق فان بيورين.
في غضون ذلك، لم تدم فترة هاريسون الرئاسية طويلا حيث فارق الأخير الحياة بعد شهر واحد من توليه لمهامه لتؤول بذلك رئاسة البلاد لنائبه جون تايلر الذي سرعان ما أقصي من حزب اليمين بسبب توجهاته المتناقضة مع توجهات الحزب.
وعقب فشل مرشحهم هنري كلاي في بلوغ الرئاسة مرة ثانية بانتخابات عام 1844، فضّل اليمينيون ترشيح بطل الحرب الأميركية المكسيكية زكاري تايلور (Zachary Taylor) لرئاسيات 1848.
وفي انتخابات 1848، حقق تايلور النصر ليصبح الرئيس الثاني عشر بتاريخ الأميركيين وثاني رئيس منتخب من حزب اليمين سوى أن فترته الرئاسية لم تدم أكثر من عام وأربعة أشهر حيث توفي الأخير وهو في المنصب ليخلفه على إثر ذلك نائبه ميلارد فيلمور (Millard Fillmore).
وقد لاحقت لعنة الوفيات حزب اليمين خلال خمسينيات القرن التاسع عشر وعصفت خلال عام واحد بأهم عضوين به. فسنة 1852، توفي هنري كلاي بسبب السل ولحق به دانييل وبستر بعد 3 أشهر فقط عقب معاناة مع التليف الكبدي.
نهاية حزب اليمين
منذ مطلع خمسينيات القرن التاسع عشر، شهد حزب اليمين أحداثا عدة سرّعت بانهياره. فعقب اتفاقية عام 1850 وقضية العبودية بالولايات الجديدة بالاتحاد، خسر حزب اليمين نسبة كبيرة من شعبيته بشمال وجنوب البلاد. فبينما اتهمه الجنوبيون بمحاولة إجهاض العبودية، استاء الشماليون من قرارات الحزب والرئيس ميلارد فيلمور واتهموه بالسعي لإبقاء نظام العبودية قائما على أراضي الولايات المتحدة الأميركية.
وأمام هذا الوضع، تخلى اليمينيون عن فيلمور ورشّحوا بدلا منه الجنرال وينفلد سكوت (Winfield Scott) بانتخابات عام 1852 التي شهدت اكتساح المرشح الديمقراطي فرانكلن بيرس (Franklin Pierce) للمجمع الانتخابي.
ومع تمرير قانون كنساس نبراسكا (Kansas-Nebraska Act) عام 1854، عادت مسألة العبودية لتدق المسمار الأخير في نعش حزب اليمين.
فبينما عمد أعضاؤه الشماليون، الرافضون للعبودية، للرحيل عنه بهدف إنشاء الحزب الجمهوري الذي ضم لاحقا كلا من أبراهام لنكولن ووليام سيوارد (William Seward)، اتجه أعضاء حزب اليمين الجنوبيون، المساندون للعبودية، للانشقاق عنه والالتحاق بالحزب الديمقراطي.
وبسبب هذا الانقسام ورحيل أعضائه، عرف حزب اليمين نهايته بعد نحو 20 عاما من نشأته حيث حاول الحزب دعم بطاقة المرشح ميلارد فيلمور بانتخابات عام 1856، التي فاز بها المرشح الديمقراطي جيمس بيوكانان (James Buchanan)، قبل أن ينهار ويضمحل خلال نفس العام.