خلال ثلاثينيات القرن الماضي، كانت المناطق الوسطى من الولايات المتحدة الأميركية على موعد مع موجة من الجفاف والعواصف الرملية التي سرعان ما تسببت في تدهور الغطاء النباتي وبنية التربة خاصة مع انتشار الممارسات الزراعية السيئة حينها.
وقد أدّت هذه الكارثة الطبيعية لانتشار عواصف الغبار التي سرعان ما شملت أجزاء هامة من الأراضي الأميركية والكندية.
كما حلّت الكارثة التي لقّبت بـ "قصعة الغبار"، على الأميركيين خلال فترة صعبة عانت فيها البلاد من أزمات عدّة، فبعد الأنفلونزا الإسبانية التي راح ضحيتها نحو 600 ألف أميركي منذ نحو عقد من الزمن، واجه الأميركيون أواخر العشرينيات أزمة الكساد الكبير التي عصفت بالبلاد عقب انهيار سوق الأوراق المالية واستمرت طيلة فترة الثلاثينيات لتتزامن بذلك مع ظاهرة قصعة الغبار.
هجرة داخلية
وبحسب مصادر تلك الفترة، أجبرت قصعة الغبار أعدادا كبيرة من الأميركيين المقيمين على أراضي السهول الكبرى والوسط الغربي للبلاد على ترك منازلهم بالمناطق الريفية والهجرة نحو المدن بحثا عن الوظائف وأملا في الحصول على ما يسد رمقهم عقب خراب أراضيهم الفلاحية وانهيار العديد من المنتجات الزراعية كالقطن.
وليومنا الحاضر ما يزال عدد الذين هاجروا داخل الولايات المتحدة الأميركية بسبب قصعة الغبار مصدر جدل. فبحسب سلطات ولاية كاليفورنيا، سجّلت تلك الفترة قدوم ما يزيد عن 400 ألف مهاجر حلّوا ليستقروا بمناطق قرب لوس أنجلوس وغيرها، حيث شيّدوا أنواعا من الأكواخ القصديرية التي صوّرها الصحافيون لإبراز مظاهر الفقر والمعاناة بين هؤلاء المهاجرين.
وعلى الرغم من امتلاكهم للجنسية الأميركية، صنّف هؤلاء المهاجرون كدخلاء من قبل أهالي كاليفورنيا الذين اتهموهم بمنافستهم على فرص العمل الضئيلة بالمنطقة بسبب أزمة الكساد الكبير.
وأملا في التخلص منهم وإقصائهم من هذه الأحياء القصديرية الفقيرة التي عاشوها، تحدّث سكان كاليفورنيا عن قيام هؤلاء المهاجرين بأعمال عنف وجرائم ونشرهم للأوبئة والأمراض بمنطقتهم مطالبين السلطات بالتحرك لطردهم.
في كاليفورنيا
ومع تواصل تدفق المهاجرين القادمين من المناطق الداخلية، لجأت سلطات كاليفورنيا لاعتماد إجراءات من أجل طرد القادمين الجدد، فاستعانت برجال الشرطة الذين اعترضوا كثيرا من الوافدين عند حدود الولاية وأجبروهم على العودة أدراجهم.
من جهة ثانية، اتجه المحظوظون الذين تمكنوا من دخول الولاية للبحث عن عمل فتنقلوا بين المزارع والحقول وقطعوا مسافات طويلة أملا في الحصول على ما يسد رمقهم واضطروا للإقامة بمنازل قصديرية رديئة قبل أن تلتفت لهم سلطات كاليفورنيا التي سارعت بإنشاء مخيمات للمهاجرين بهذه المناطق.
في الحرب العالمية
وفي الأثناء، اتهم العديد من مسؤولي الصحة بكاليفورنيا هؤلاء المهاجرين بنشر الأمراض، منبهين لظروف إقامتهم السيئة وإمكانية نقلهم لأمراض جديدة من الولايات التي جاؤوا منها، وأملا في تجنّب انتشار الأوبئة، عمدت سلطات كاليفورنيا لحرق العديد من هذه المخيمات والأحياء القصديرية التي قالت إنها لا تتطابق مع معايير الصحة.
إلى ذلك، انتظر هذا العدد الكبير من المهاجرين بكاليفورنيا بداية الحرب العالمية الثانية وهجوم بيرل هاربر للحصول على وظائف وجني مبالغ كبيرة من الأموال حيث تخلى كثير منهم عن العمل بالقطاع الفلاحي والتحقوا بمصانع الطائرات والسفن، التي موّلت مجهودات الحرب، بسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس.
وبحلول العام 1950، تقلصت نسبة المهاجرين العاملين بالقطاع الفلاحي بكاليفورنيا لأقل من 25% تزامنا مع استقرار البقية.