هكذا جعل ملك بلجيكا الكونغو جزءاً من ممتلكاته الشخصية

قبل سنوات من انعقاد "مؤتمر برلين"، نظّم ملك بلجيكا ليوبولد الثاني (Leopold II) عام 1876، على حسابه الخاص، مؤتمراً جغرافياً ببروكسل جمع خلاله العديد من العلماء من مختلف الدول الأوروبية للحديث عن مواصلة عمليات استكشاف القارة الإفريقية وخاصة المناطق الشاسعة الواقعة عند حوض الكونغو. فمنذ فترة، كان ملك بلجيكا قد وجّه أنظاره نحو القارة الإفريقية واتجه للسيطرة على مناطق الكونغو التي ظلت إلى حدود ثمانينيات القرن التاسع عشر مناطق حرة خلافاً لبقية الأراضي المحيطة بها والتي كانت قد وقعت منذ سنوات في قبضة القوى الأوروبية.

واجه مشروع مستعمرة الكونغو البلجيكية الذي حلم به ليوبولد الثاني مصاعب جمّة حيث جذبت هذه المنطقة الإفريقية أنظار العديد من القوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى كفرنسا وبريطانيا والبرتغال اللوات تواجدن على مقربة من الكونغو، بالإضافة لألمانيا التي قررت، حفاظاً على مكانتها وسمعتها، التوجه للحصول على مستعمرات بإفريقيا.

وأملاً في الحد من التوتر بين مختلف القوى الأوروبية حول المستعمرات بإفريقيا، اجتمع المستشار الألماني أوتو فون بسمارك (Otto Von Bismarck) يوم 24 أبريل 1884 بالسفير الفرنسي ببرلين ألفونس شودرون دي كورسيل (Alphonse Chodron de Courcel) وحدّثه عن ضرورة عقب مؤتمر جديد، شبيه بمؤتمر برلين لعام 1878، لإنهاء الخلاف الأوروبي حول المستعمرات.

واستحسنت جميع الأطراف فكرة عقد هذا المؤتمر حيث أيدت معظم القوى الاستعمارية الأوروبية الاجتماع ببرلين ثانية لوضع حد لخلافهم حول الكونغو.

يوم 15 نوفمبر 1884، افتُتح مؤتمر برلين بحضور ممثلين عن كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وهولندا والسويد وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية والدنمارك وإيطاليا وروسيا والنمسا-المجر والدولة العثمانية التي تخلت في وقت سابق عن تونس لصالح الفرنسيين عام 1881 ومصر لصالح البريطانيين عام 1882.

وفي البداية، وضع الجميع أهدافاً نبيلة تحدثوا خلالها عن إنهاء تجارة العبيد قبل أن يباشروا بمناقشة مسألة التوسع الاستعماري المثيرة للجدل. إلى ذلك، رفضت بريطانيا التفاوض حول حوض النيجر واعتبرته من ممتلكاتها الخاصة بينما عارضت فرنسا الحديث عن السنغال مؤكدةً على تبعية تلك المناطق لها. وبسبب ذلك، تركزت المفاوضات حول حوض الكونغو الذي وصفه بسمارك بـ"الدانوب الإفريقي" نسبةً لنهر الدانوب المصنف كثاني أطول نهر بأوروبا.

وعقب ثلاثة أشهر ونصف من المفاوضات ونحو ثماني جلسات، أقر المجتمعون حرية الملاحة والإبحار للجميع بنهري الكونغو والنيجر واتفقوا على وقف جميع أشكال تجارة العبيد والكحول والأسلحة بالقارة الأفريقية. إضافةً لذلك، حقق الملك ليوبولد الثاني حلمه بالحصول على الكونغو حيث وافق المجتمعون على جعل هذه الأراضي الشاسعة بالقارة الإفريقية، التي سميت صورياً بـ"دولة الكونغو المستقلة"، ملكية خاصة للملك البلجيكي.

وعلى الرغم من حصول بقية القوى الاستعمارية الأوروبية بإفريقيا على عدد من المكاسب والامتيازات، ظهر ليوبولد الثاني كأبرز مستفيد من مؤتمر برلين حيث اعترف الجميع بعد فترة وجيزة بمستعمرته الشخصية الجديدة التي حملت علماً أزرق توسطته نجمة صفراء.

ومع تقديمه لوعود بفتح مستعمرته للتجارة والملاحة الدولية، اتجه ليوبولد الثاني لاستغلال أكبر كمية ممكنة من الموارد الطبيعية للكونغو وعلى رأسها المطاط. ولجمع كميات هامة من هذه المادة التي غذت المصانع الأوروبية، اعتمد ليوبولد الثاني على نظام العمل القسري مجبراً سكان الكونغو على العمل لصالحه تحت وطأة التهديدات والعقوبات القاسية التي بلغت حد بتر الأيادي وإعدام الأطفال.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: